«جذور فوق التراب»
} عبد المجيد زراق
الواحد مرَّات بتفقع معو
مرَّت، بعد انتظار طويل، سيارة أجرة. أشرت اليها، فتوقفت بعد أن تجاوزتني بأمتار. لحقت بها، وصعدت اليها.
جلستُ في المقعد الخلفي. حيَّيت. لم أسمع ردَّاً. كان السائق والرَّاكب في المقعد الأمامي يتحدَّثان بصوت عالٍ.
كان السائق يضرب المقود بقبضته، ويقول بصوتٍ عالٍ:
– خربوا بيتنا…، وقَّفوا شغلنا…
سأل الراكب: مين؟
أصغيت، وسمعت:
– عم تسأل!؟
– أي مين؟ عم اسأل؟
– هَوْ اللي عاملين ثوَّار اللي خاربين الدنيا…
– شو رأيك نعرف مين خارب الدنيا؟
– كيف؟
– جاوبني على كم سؤال.
– اسأل.
– كم فاتورة كهربا بتدفع؟
– متل كل الناس، فاتورة لشركة الكهربا وفاتورة للاشتراك.
– كم فاتورة مَيْ بتدفع؟
– متل كلِّ الناس، تلات فواتير، واحدة للشركة اللي بتظل ميِّتها مقطوعة، ووحدة لميِّة الشرب، ووحدة لميِّة الخدمة.
– وقديش بتدفع أجرة بيتك؟
– أربعمية دولار.
– كيف بتوفرهم؟
– مين قلَّك قادر وفِّرهم؟
دايماً مكسور. ودايماً مشاكل مع صاحب الملك.
– وقدَّيش بتدفع للمدرسة؟
– عندي أربع اولاد بالمدرسة، انكسرت عالأقساط متل كل سني بالمدرسة الخاصة. عملت ميَّة واسطة حتى سجلتن بالمدرسة الرسمية. بس يا خيي المدارس الرسمية خربانة.
– خربانة!؟
– أي ليش عم تتعجب متل كل شي بهاالبلد الخربان…سرقة وحرمنة.. اذا ما بتبرطل ما بيمشي الك شي.
– شو هالحكي؟
– كأنَّك من هنولولو…قلتلك خربانة… خربانة… خربانة… بصرخ حتى تسمع!؟
– مين خربها؟
– بتسأل كأنَّك من بلاد الواق واق!؟ المسائيل… المسائيل خرّبوها…
– والمسائيل بتعرف كم ركَّبوا عليك، وعلى أبنائك، دين؟
– أي بعرف.كتير، بيقولوا مية مليار دولار.
– وأكثر… وين راحوا؟
– عم تسأل !؟ الصغير والكبير بهاالبلد بيعرف !
– أنا ما بعرف. قلِّي…
– انت منين جايي يا حبُّوب!؟
– أنا مش جايي. أنا من هون.
– وما بتعرف حراميَّة هالبلد؟ ابني الصغير، الله يحميه، بيعرفهم. صبي ذكي بس ماألو حظّ.
– ليش ماألو حظ!؟
– ليش الحرامية خلُّوا لحدا حظ بهالبلد!؟
– مين هنِّي الحراميَّة!؟
– المساااائيييل… اللي «كروشهم متل البراميل»… فهمت أو بصرِّخ بعد. أني ما عدت سألان اللي بدو يصير يصير… أكثر من القرد ما مسخ ألله…
– والمليارات منين بدهم يسدُّوهم؟ منين بدهم يجيبوهم ليسدُّوهم!؟
– منين !؟ قلي أنت يا فهيم منين. عم تعملِّي امتحان اليوم !
– لا امتحان ولا شي. ابنك الصغير بيعرف. من جيوبكم.
– هاهاهاها… من جيوبنا!؟ شوف… شوف… جيوبنا فاضية. أنا متحيِّر شو بدِّي اَخذ للغدا و…
– وبعدك ساكت؟!
– شو فيي أعمل!؟
– متل ماعم يعمل هو الثوار اللي خربوا بيتك ووقفوا شغلك.
– يعني أنت مش هيِّن. ظليت لاحقني عالدعسي حتى قلتلك شو بفكِّر…
– وليش سبيت الثوار وأنت بتفكر متلن!؟
– ليك… أف…. الواحد أحيان بتفقع معو، وما بيعرف شو بيقول…
– طيب بتوصلني عاساحة الثوار؟
– بوصلك، وببقى معك…
كنت أودُّ أن أتابع الحوار، لكن كانت السيارة قد وصلت الى المكان الذي أقصده، فغادرتهما، وأنا أكمل الحوار مع نفسي، ولم أعرف كيف أوقفه. ولم أدر إلا، وأنا أركض، وأشير، وأنادي: وأنا رايح عاالساحة…
* قصة قصيرة، من مجموعة قصصية، عنوانها « جذور فوق التراب»، ستصدر قريباً عن دار روافد.