علي المسمار… وفاء الرحيل وصدى النظافة في الإعلام
} جهاد أيوب
بكير يا علي هذا الرحيل الشبابيّ المشبع بالعطاء الإعلاميّ حتى الرمق الأخير …
بكرت يا من كنت المسمار المشعّ في زمن إعلام لا يشبهك، وكنت أنت أنت قبل وبعد المرض، والإعلام يا علي لا زال يحتاجك، وصوتك يا علي حينما بشرنا بانتصارات المقاومة هو داخل مسامعنا لم تغب عنه الشمس، ورشاقة تقديمك هي ملعب من بياض الأرض حيث نظافة العامل والعمل والإعلام…
الخبر كنا نتوقعه فأنت تناضل ضد المرض العضالي منذ سنوات، ولكن الرحيل هو الصعب.. حملت لواء المجابهة بصمت، وبكل عنفوان الروح ناضلت من أجل الانتصار على مرض خبيث يتطلب المجابهة، وكنت أنت خير الصابرين، وخير المواجهين، وخير المهتدين، وخير الخير في حياتنا، ومنذ فجر اكتشاف مرضك وأنت تتحداه، ولم تعرف غير المعركة معه!
ذات أمسية يُسمع فيها رنين أجراس الصداقة اتصل صاحب الصوت المخملي الزميل والصديق علي قازان قادماً من إيران، ومتمنياً مرافقته لزيارة العزيز علي المسمار في مستشفى الرسول!
في البداية ترددت لعدم رغبتي بمشاهدة صديق في لحظات محرجة، أخبرت علي أن تبقى الصورة أيام البدايات، وأيام البحث عن مساحة تشبهنا، لكن إصرار علي المحب فرض الموافقة والزيارة!
ترافقت باقة ورد كبيرة من السيد حسن نصر الله، باقة فيها أجمل الامتنان والشكر للموقف الذي لعبه علي من سيد العنفوان وعنوان شكر كل من يساندنا!
انشرح فؤادي، وأخبرت علي أن هذه البطاقة وباقة الورد قد تشفي العزيز رغم أخبارنا أن وضعه حرج جداً!
لم أتمكن من المكوث طويلاً أمام علي المسمار وكل الأجهزة الطبية تتحكم به، وقفت تحت أقدام شخصية ترافقنا مع صاحبها في ما مضى!
بكيت، تذكرت الماضي… سرقت من الذاكرة تلك الأيام، وبحثت عن صور لعلي فيها لأجد شخصية مهذبة، متواضعة، لا يبالغ بالأمور، ولا يتطاول على من ينتقده أو ينتقد خطه، لا يبالغ، ولا يعرف الشتائم!
علي المسمار واحة جميلة لكثرة الإنسان فيها، وعبق الإيمان بكل تجلياته، وزنبقة مبتسمة دائماً، ولا مرة التقينا إلا وكان ضاحكاً ومبتسماً ومشرقاً وعطوفاً وكل التهذيب معه!
كنا نسأله باستغراب: «يا علي هل أنت في المنزل تتميز بهذا الكم من التهذيب والإصغاء والابتسامة»؟!
يرد بابتسامة، ويتخطانا بأدب ليعاود الإصغاء!
نعم علي المسمار كان من القلة القليلة في الجسم الإعلامي يتمتع بنعمة الإصغاء!
نعم علي كان صافياً، ولا يعرف النميمة، لكنه يعطي رأيه في حال طلبت منه، أقصد علي هو خير التربية وخير الذوق وخير الصداقة وخير الإصغاء وخير من ابتسم…
يوم زيارته لم يترك الزميل علي قازان غرفة علي المسمار، أخذ يتحدث إليه، ويسامره، ويناقشه، ويتعمّد تذكيره بماضيهما، وعلي المنهك من المرض بغيبوبة كاملة!
لم أمتلك يومها مشاهدة علي على ما هو عليه، الوضع أكثر من صعب، المرض أكل منه الكثير، والقليل المتبقي قد يخسره بعد لحظات، ولن يبقى منه إلا الذاكرة… هذا ما أخبرنا به من قبل الأطباء، وهذا ما اخبرتنا به أبصارنا!
سارعت زوجته وعائلته بلملمة دموعي، وأخذوني إلى زاوية المستشفى لنتحدّث عن الصبر وعن علي… كانوا يتفهمون المصاب…
بعد أقل من يومين نهض علي، وبعد شهور أطلّ عبر شاشته، وكانت إطلالة انيقة، محترمة تشبه الفاصل حيث يعود!
بالطبع لا نكتب لكونه رحل، بل نكتب لكوننا نعيش الترحال في الرحيل اليومي، وهو قد رحل عند من يعرف قيمته وبصره في صبره ومقاومته!
في رحيل علي المسمار خسرنا قيمة وقامة، خسرنا قصيدة من وفاء العطاء، وحالة إعلامية لا تباغتنا خلسة لتزرع الحقد، بل حالة متصالحة ومتجانسة ومتفانية من دون النق، والثرثرة، والغرور!
لم يطرق الغرور باب علي المسمار، ولم يتعرف علي على الحقد، متسامحاً بنكهة تراب الجنوب، وصافياً بعنفوان حقول البقاع، وشامخاً كجبالنا، وحنوناً كحنان السهل والمدينة وكل أمواج الشمال.
علي ذاك البحر الذي التقى مع النهر مستوعباً كل شوائب الرحلة، أكرمه الله يوم أعاده إلينا من معركته مع المرض، عاد، ابتسم، سلم وتسلم، شاهد الأحباب، وعرف أن المقاومة لا تزال ثابتة، وأن الأعداء يتحطّمون على أعتابها… ظهر عبر الشاشة، سمعناه عبر المذياع وغادرنا بهدوء كما هو…
سلام منا إليك يا زميل المتاعب، يا صبر الخبر، يا من ينطق بسلاسة، بمعرفة بمسؤولية… علي المسمار ألف رحمة على سيرتك المعطرة بالوفاء، والتعازي إلى كل إعلامي يحترم حضورَه كما كان علي المسمار…