الثرثرة التركية على ضفاف الفرات
} يكتبها الياس عشّي
من الخطأ الفادح أن نؤرّخ الاحتلال العثماني بالعام 1518م، العام الذي أنهى فيه العثمانيون وضع يدهم على بوّابة العالم العربي، وعلى كرسيّ الخلافة الإسلامية. والصحيح أنّ الأتراك بدأوا احتلالهم مع دخول الدولة العبّاسية مرحلة الضعف في القرن التاسع الميلادي، ومع تغلغلهم في قصور الخلفاء العباسيين، ومع تدخٌلهم في كلّ شاردة وواردة. وقد نقل أحد الشعراء العباسيين هذا المشهد بدقّة متناهية، وبرسم كاريكاتوريّ بديع، عندما قال:
خليفةٌ في قفصٍ
بين وصيفٍ وبُغا
يقول ما لُقّنهُ
كما تقول الببّغا
وما «وصيف» و «بغا» سوى اسمين لوزيرين تركيين كانا يختبئان تحت عباءة الخليفة، ويأخذان الخلافة إلى المجهول.
ولم يمضِ وقت طويل، وتحديداً في سنة 1258م، حتّى دخل هولاكو بغداد، وأعدم آخِرَ الخلفاء وهو المستعصم بالله، وقضى على مكتبتها. واعتبر هذا التاريخ بداية عصر الانحطاط. والمدهش في ذلك كلّه أنّ هولاكو المهووس بالعلماء والفلاسفة قضى على أكبر ثروة ثقافية كانت تحتضنها مكتبة بغداد! أليس هذا ما فعله المخرّبون اليوم في سورية؟ ألم يفعلوا ذلك في الغزوة الأميركية الأخيرة على العراق، وما زالوا؟
قد لا يكون هولاكو متحدّراً من عرق تركي، ولكنّ أمّه وزوجته المفضّلة لديه كانتا تركيتين!
تاريخ تركيّ حافل بالقهر، والتمييزين العرقي والمذهبي، حفّز الوطنيين، مع بداية القرن العشرين، للانقضاض على الأتراك، مطالبين بالحريّة، والانفصال عن الباب العالي، والسعي لإقامة حكومة عربية في دولة عربية واحدة. إلّا أنّ جمال باشا السفّاح كان ينتظرهم على أعواد المشانق. وكان ما كان في السادس من أيار سنة 1916م، حيث أعدم سبعة وأربعون شهيداً: ثلاثة وعشرون في دمشق، وأربعة وعشرون في بيروت. وكان سبقهم واحد وعشرون شهيداً أعدموا في 21 آب عام 1915م.
