«طائفيٌّ» أنا؟.. ويحي! وماذا قد صنعت لتحقّ النسبة الفُضلى ويرقى بي نعت؟ (*)
} حيّان سليم حيدر
رأيت أن أبدأ العام الجديد بقديمنا المُتَجدّد، عنيت بذلك دستور لبنان والطريق المتعرّج أبداً إلى تفسيره فما بالنا من تطبيقه. درسٌ في التاريخ: مَن رسم الخط البياني الأول، وفي بحث في الجغرافيا: مَن فلح الثلم الأعوج الأول كي يبقى لبنان الكبير عصيّاً على الصلاح؟
إذا إلى الدستور درّْ…
ورد في محاضرة ألقاها الوزير السابق الدكتور بهيج طبارة بتاريخ 26-6-2012 (1) ما يلي:
«في جلسته المنعقدة في 25 أيار 1926، أقرّ المجلس التمثيلي، بأكثرية ستة عشر عضواً ومعارضة ستة أعضاء، المادة 95 من الدستور بصيغتها الأصلية التي كانت تنص على أنه: «بصورة مؤقتة، وعملاً بالمادة الأولى من صكّ الإنتداب، والتماساً للعدل والوفاق، تُمثَّل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وتشكيل الحكومة، دون ان يؤول ذلك الى الإضرار بمصلحة الدولة».
ثمّ يذهب المحاضر إلى تفنيد مداخلات المؤيدين والمعارضين لهذه المادة «الدستورية» مع لفت الإنتباه إلى حجج مقدمةّ من بعض مَن كان يظنّ أنها «توفّر الأمان لكلّ الطوائف وللبنانيين جميعاً وتمنع الخلاف في ما بينهم»، وطبعاً… قطعاً لم توفّر ولم تمنع.
ما قد يهمّني، «عائليّاً» هنا، هو ما ورد في السرد التاريخي للوقائع وفيه: «قبل إقرار هذه المادة، تدخل النائب صبحي حيدر (2) متسائلاً عن المقصود بعبارة «بصورة مؤقتة». وأضاف: إذا لم يحدَّد الوقت، يجوز ان يكون بعد سنة أو بعد مئة سنة!»
ويسترسل المحاضر متسائلاً: «هل كان صبحي حيدر يدرك يَومها بأن «نبوءته» سوف تصحّ، وانّ هذه المادة التي أرست في الدستور قاعدة الطائفية السياسية، سوف تبقى قائمة حتى يومنا هذا تارة بصورة مؤقتة، وتارة أخرى كمرحلة انتقالية؟ هل كان يتوقع في العام 1926 أنّ الطائفية السياسية سوف تصمد طيلة هذه المدة وتبقى عصية على التعديل او التطوير بالرغم من عشرات التعديلات التي تناولت مواد الدستور خلال تلك الفترة؟»
وبعد أن استأذنت الكاتب – الذي سمح لي مشكوراً، هاتفيّاً وليس كِتابيّاً، باقتباس أقواله على رغم التحذير العام المشدّد والمتشدِّد الوارد في متن شروط نشر الكتاب (3) – هل يدعو هذا كلّه إلى الإحباط، إلى الإغتباط، إلى الإستسلام، أم إلى كلّ ذلك مع بعض السخرية مُرَطّبة بالبكاء؟
ومع تحقيق النبوءة رصدنا، في الأساس، خمس مخالفات للمنطق والمصلحة العامّين في غضون جملتين من النصّ الدستوري. أوّلها تكمن في مخالفة مسلمات دستورية في عملية تثبيت المادة الأساس منه. ففي عملية حسابية بسيطة، ونحن في عصر التدقيق المحاسبي المستحيل، كان هناك إذاً 22 مشرِّعاً صوّت 16 منهم للمادة أيّ أقلّ من 73% وهذا أقلّ من عتبة الثلاثة أرباع المعتمدة عالميّاً للتصويت على الأمور المصيرية. ولا شكّ أنكم توافقوني الرأي بأنّ هذا الأمر مصيري بل قد يكون، وبعد الخبرة والمعاناة، الأعلى في منسوب المصير منذ واقعة تكبير لبنان. علماً أنّ المشترع سبق ورأى من الضروري، ودائماً وفقاً لتفسير الدستور، جمع ¾ الأصوات لانعقاد الجلسة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية، مع ملاحظتنا أنّه في حال أخطأ المجلس في خياره هذا يكون الخطأ قد حصل لمدة الشغور أو الفراغ أيّ لشهور معدودة في حدّه الأقصى، وحتى إذا اعتُبِرَ الخطأ على أنّه طال شخصية الرئيس الذي يكون قد جاء «من خارج إرادة أكثرية ما»، فلن يدوم هذا الخطأ لأكثر من ست سنوات. وفي مجال مشابه يحتاج المجلس النيابي إلى هذه النسبة العالية من الأصوات أيضاً، الثلثين، لطرح الثقة، مرّة واحدة حصراً، برئيسه، والخطأ هنا محصور أيضاً بمدة سنتين يمكن بعدها تصحيح الوضع «دستوريّاً». وينسحب هذا الشرط أيضاً على التصويت على رفع الحصانات أو تحويل ارتكابات الرؤساء والوزراء إلى المجلس الأعلى المختصّ بمحاكمتهم. أمّا هذه المادة الطائفية المصيرية والتي «هَلَكَت» البلاد والعباد، فهي تَمُرّ وفقاً لرؤية أقلية من اللبنانيين.
هذا، إلى جانب اعتراضنا الأساس، المخالفة الثانية، بأنّ هذا الدستور كان يُكْتَب ويُقَرّ في «أحضان» أي في ظلّ (أو ذلّ) الاحتلال، المُجَمّل بتسميته إنتداباً، حيث جاء في النصّ الدستوري «وعملاً بالمادة الأولى من صك الإنتداب…» والمخالفة الثالثة تقف على رصيف العبارة «تُمثّل الطوائف بصورة عادلة…» وأترك لفقهاء الدستور والمنطق مهمّة شرح معنى «عادلة». والرابعة منها تُخْتَصَر بمخالفة مفهوم «العدل والوفاق». أمّا المخالفة الخامسة فتكمن في أنّ النصّ هذا نقض ما ورد فيه من مفهوم «دون ان يؤول ذلك الى الإضرار بمصلحة الدولة». وقد تضرّرت الدولة حتى الثمالة التي أفقدتها حاسّة الإهتداء إلى مصلحتها.
وفي الخلاصة يمكن لنا الجزم بالقول: ما بُنِيَ على باطل فهو…
«لا تلمني!» «طائفيةُ»- الناسُ» لا شأن لها بي
شأنها بعد وفاتي بعظامي وثيابي
أنا منها، منهُمٌ، لكنني عنهم غريبٌ
أفهموني أنَّهم لا يفهموني، باقتضابِ!»(*)
وأختم بالسؤال: أين أنتم من كلّ هذا يا أهل الميثاقية؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) سليم حيدر – ديوان «إشراق» – فصل بعنوان «مَن أنا؟..» – الصفحة 12 و13 – شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ش.م.ل. – 2016. بعد الإشارة إلى تصرّف أجريناه باستبدال الكلمة الأصلية بكلمة «طائفيٌّ».
(1) في الصفحة 35 من كتاب صدر مؤخّراً بعنوان: بهيج طبارة «كتابات في دولة القانون» – الطبعة الأولى 2020.
(2) «عائليّاً» تشير إلى كون النائب المذكور هو خال كاتب هذه السطور. صبحي حيدر: قائم مقام ومدير عام وزارة المعارف، عضو المجلس التمثيلي الأول والثاني ونائب رئيس المجلس. عضو مجلس النواب الأول. نائب منتخب عن محافظة البقاع في لبنان المُمَثَّل يومها من 30 نائباً و16 عضواً في مجلس الشيوخ. وزير مالية وتربية.
(3) جميع الحقوق محفوظة. لا يجوز نشر، أي جزء من هذا الكتاب، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع، أو نقله على أيّ نحو، أو بأيّ طريقة، سواء كانت الكترونية، أو ميكانيكية، أو بالتصوير، أو بالتسجيل، أو خلاف ذلك، إلا بموافقة كتابية من المؤلف، ومقدماً.