ترامب والخطأ القاتل في ربع الساعة الأخير
حسن حردان
انتظر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ان تؤدّي محاولاته المستمية للانقلاب على نتائج الانتخابات الرئاسية التي افضت إلى فوز جو بايدن، الى إحداث تحوّل في داخل الحزب الجمهوري لمصلحة الاتجاه الذي يدعو الى عدم المصادقة اليوم على نتائج تصويت المجمع الانتخابيّ الذي منح بايدن الفوز بـ 306 من الأصوات، بعد أن باءت بالفشل حملة ترامب لإبطال نتائج الانتخابات، أمام محاكم الولايات، بما فيها الولايات الجمهورية التي خسر فيها.
غير انه وعشية تصويت الكونغرس على النتائج، واستعداد ولاية جورجيا لانتخاب عضوي الكونغرس اللذين سيقرّران مصير الأغلبية فيه: هل تبقى للجمهوريين، ام تميل للديمقراطيين؟
عشية هذين الحدثين المفصليين في الولايات المتحدة، ارتكب ترامب خطأه القاتل والكبير في الربع الساعة الأخير من ولايته، ووقع في شرور أفعاله.. عندما تمادى وأوغل في سعيه لتغيير نتائج انتخابات ولاية جورجيا بهدف تعطيل مصادقة الكونغرس على فوز بايدن، وتأجيل تسلّمه مقاليد السلطة في البيت الأبيض في 20 الشهر الحالي.. واستطراداً خلق أزمة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات الأميركية.
الخطأ القاتل تجسّد في ضبط ترامب وهو يهدّد سكرتير ولاية جورجيا براد رافنسبيرجر، إذا لم يرضخ لرغبته في إيجاد فارق 12 ألف صوت لقلب فارق الأصوات مع جو بايدن.. وحسب صحيفة «واشنطن بوست» فقد حذر ترامب براد من تبعات جنائية إذا لم يتجاوب مع ادّعاءاته بشأن حدوث تزوير في انتخابات الولاية والقول انّ مئات
الأموات صوّتوا لمصلحة جو بايدن…!
سكرتير الولاية فضح ما جاء في مكالمة ترامب من تهديد له، وكشف أنه تمّ التدقيق في الادّعاءات والإشاعات بشأن تصويت مئات الموتى، وتبيّن انّ هناك اثنين فقط من الموتى…
هذا التطوّر أدّى إلى انقلاب السحر على الساحر وتحوّل مسار الأحداث باتجاه اتهام ترامب بارتكاب جرم إساءة استخدام السلطة بتهديد سكرتير ولاية جورجيا.. الأمر الذي يقضي على آخر محاولاته لتعطيل انتقال السلطة… ويقود إلى انعكاسات سلبية على ترامب وفريقه المتعاون معه داخل الحزب الجمهوري.. وهذه الانعكاسات المتوقعة هي:
أولاً، إضعاف محاولات بعض النواب الجمهوريين في إقناع زملائهم الأخرين لعدم المصادقة على نتائج انتخابات المجمع الانتخابيّ، وقبول فتح تحقيق في عمليات التزوير بإشراف نائب الرئيس بنس.. وبالتالي فإنّ مصادقة الكونغرس اليوم على نتائج الانتخابات التي تؤكد فوز بايدن باتت هي السيناريو المرجح.
ثانياً، انكشاف المزيد عن زيف وهشاشة وأكذوبة النظام الديمقراطي الأميركي وتغنّي الحكام والساسة الأميركيين بالديمقراطية الأميركية وسعيهم الى تعليم العالم الديمقراطية.. وهو ما دفع صحيفة «نيويورك تايمز» إلى القول، إنّ محاولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب غير العادية لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية في نهاية هذا الأسبوع قد هزّت العديد من الأوروبيين، حتى أولئك الذين اعتادوا على تكتيكاته.
وقال كبير مراسلي الصحيفة الدبلوماسيين في أوروبا، إنّ المكالمة الهاتفية التي وجهها الرئيس ترامب لتهديد مسؤولي الولاية في جورجيا، الذين طلب منهم «إيجاد» الأصوات اللازمة لقلب الدولة، لم تكن فقط صادمة لتجاهلها للمعايير الديمقراطية. إذ يشعر العديد من القادة الأجانب الآن بالقلق من أنّ تأثير ترامب سيستمرّ لسنوات، مما يضرّ بالثقة في أميركا.
ثالثا، احتمال تعرّض ترامب لملاحقة القضاء بجرم تهديد سكرتير ولاية جورجيا.. وبالتالي بات ترامب يواجه الاتهام بإساءة استخدام السلطة لتهديد الموظفين ومحاولة إجبارهم على التلاعب بنتائج الانتخابات لمصلحته، بواسطة الترغيب والترهيب..
رابعاً، إمكان أن يؤثر انفضاح تصرف ترامب المشين على قدرته لحشد الدعم لتأييد انتخاب عضوي الكونغرس من الجمهوريين في جورجيا، وبالتالي ازدياد ترجيح فوز الحزب الديمقراطي بالمقعدين، وفي حال حصول ذلك فإنه يؤمّن للديمقراطيين انتزاع الأغلبية من الجمهوريين في الكونغرس من خلال الصوت المرجح لنائب الرئيس.. واستطراداً تمرير القرارات التي يريدونها، وكان الجمهوريون يعيقون إقرارها.
خامساً، اضطرار ترامب إلى التركيز في ما تبقى من ولايته على مواجهة الاتهام الموجه إليه في إساءة استخدام السلطة والذي اعتبره أحد النواب الديمقراطيين بأنه يرقى إلى مستوى الجناية، مما يجعل ترامب قلقاً أكثر على مستقبله السياسي وتعرّضه للملاحقة القضائية من قبل الديمقراطيين بعد مغادرته البيت الأبيض، مما يجعله ينشغل عن الاهتمام بالسياسة الخارجية ومحاولة ارتكاب حماقة تستهدف تعقيد الوضع أمام إدارة بايدن لناحية العودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران…