فعلاَ «طقت شروش» الحياء كلها…
} علي بدر الدين
بات واضحاً وجلياً، أنّ أيّ كلام أو موقف أو رجاء، لم ولن يؤثر في المنظومة السياسية الحاكمة أو معظمها على الأقلّ، وقد أدارت آذانها الطرشاء، وأغمضت عيونها، وفقدت أحاسيسها، وأقفلت قلوبها، وتخلّت عن مسؤولياتها وواجباتها الوطنية، وكأنّ كلّ الكوارث والمآسي والأزمات، القائمة والداهمة على مستوى الداخل والخارج، لا تعنيها، ولا تحرك ساكناً عندها، وهي تسمع وترى أنين المواطن ووجعه وصرخاته وكيف يقدِم البعض على حرق نفسه، في وضح النهار وأمام الملأ، لأنّ الجوع والمرض والبطالة يفتكون به وبعائلته، بعد أن سدّت في وجهه كلّ موارد الرزق ولو في حدّها الأدنى، وحلت به جائحة كورونا وتداعياتها، لتزيد من أعبائه وأزماته وفقره وجوعه، وتضغط بقوة على أنفاسه الأخيرة، من دون أن يرفّ لها جفن، أو تصحو ضمائرها، إذا كانت موجودة أصلاً، أو أن تعود إلى القليل من إنسانيتها المفقودة التي جرفتها شهواتها إلى التسلط والظلم والاستبداد، وجمع الثروات التي هي ليست من حقها ولم ترثها عن الآباء والأجداد.
هذه المنظومة التي تصرّ على قاعدة ٦ و٦ مكرّر، وعلى المناصفة الطائفية والتوزيع المذهبي، بما يخدم تحاصصها ومصالحها وامتيازاتها وثرواتها المتراكمة الموزّعة على مصارف خارجية، وليس من أجل الوطن والدولة والناس، وهي المديونة لهم، لأنهم أوصلوها إلى السلطة، وسكتوا على فسادها ونهبها وكلّ بلاءاتها، التي لا تعدّ ولا تحصى، وقد خانت الأمانة وثقة الشعب، وكافأته بتدفيعه أثمان ما اقترفته، وآخر «إنجازاتها» تمثلت في «التصدي» لهذا الوباء الخبيث الذي يتفشى بسرعة مهولة، ولبنان أصبح من أكثر الدول تفشياً وانتشاراً وإصابات ووفيات، قياساً على عدد سكانه، لسببين، أولهما خلافات أهل السلطة السياسية وحساباتها وإهمالها حول طرق مواجهته، وقد كشفت الاجتماعات الأخيرة بين أعضاء اللجان الوزارية والصحية، هزالة النموذج الذي تمّ اعتماده، بعد أن تركت هذا الوباء يسرح ويمرح ويفعل فعله باللبنانيين حتى قاربت الإصابات الخمسة آلاف يومياً، والحبل على الجرار، وكلّ ما تفعله السلطة ولجانها التهديد والوعيد بفرض العقوبات والغرامات على المخالفين، هؤلاء المتروكين لقدرهم وعطالتهم من العمل وإقفال متاجرهم وأبواب رزقهم، وبات معظمهم لا يملك حتى اللظى، ومن دون دعم أو مساعدة عينية أو مادية كما تفعل معظم الدول مع مواطنيها، المهمّ عندها، ان تفرض سلطتها وسطوتها، مع انّ وظيفتها أن تعمل على توفير السلامة لشعبها والأمن الغذائي والمجتمعي، ولكنها تتعامل معه على قاعدة المثل الشعبي «حفر وتنزيل» يعني انها تحفر الجور وترمي فيه الشعب حتى «يفطس» ويموت، وترتاح من صرخات جوعه وأوجاعه.
السبب الثاني، أنها راهنت على وعي الشعب الفقير والجائع والجاهل ومدى التزامه بالإجراءات الوقائية المطلوبة ذاتياً لحماية نفسه وعائلته ومجتمعه، وهي تدرك تماماً أنه تربّى في ظلها على الفوضى والفلتان والتشبيح، وعلى انها تحميه وتؤمّن له الغطاء المطلوب وتحول دون عقابه بتدخلاتها تحت شعارات وعناوين وذرائع ما «أنزل بها من سلطان»، وهي معلومة ومعروفة من الجميع. كما أنها متيقنة لو أنه واع ومسؤول لما كان ارتهن لها وتحوّل إلى تابع صغير لها ومضلل، ومتخلّ عن وطنيته وكرامته وحقوقه من أجل إعادة الاعتبار لها بانتخابها والتجديد لها.
ومن هذه «الإنجازات» استمرار تمثيلها على الشعب، وإطلاق وعود إضافية كاذبة، كالتعويل على عودة الرئيس المكلف من إجازته الطويلة حاملاً معه الترياق والحلول السحرية، بحيث تنتظره على باب طائرته الخاصة، اقتراحات حلول للملف الحكومي أنتجتها مواقف التفاؤل الملغومة ومبادرة بكركي، والمبادرة الفرنسية وقرب استلام جو بايدن الرئاسة الاميركية، أيّ إيهامه بحصاد وفير، جراء اللقاءات والزيارات ومساعي أهل الخير والمصلحين.
إنها «حركة بلا بركة» يعني «فاشوش». كلّ ما في الأمر أنّ السعي والجهد والوقت هو لتأمين لقاء يجمع الرئاستين الأولى والثالثة بالتكليف، لعلّ وعسى يطفئ النار المشتعلة بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، ثم تقفل الطريق على ولادة هذه الحكومة العصية على التأليف، الواقفة أقله بالعلن على وزيرين إضافيين وحقيبتين سياديتين وثلث معطل، ويبدو انّ المخفي أعظم وأعقد، وهو ما يحول دون الوصول إلى الخاتمة السعيدة.
كلّ هذا على ذمة أركان السلطة، الذين عليهم الحصول أولاً الحصول على براءة ذممهم من الشعب المسكين والمنكوب والمبتلي بهم.
فعلاً «طقت شروش الحياء كلها»…