المصالحة الخليجية وارتباطاتها الإقليمية والدولية.. جذور وتداعيات
} ربى يوسف شاهين
ما بين المشرق العربي والغرب ذي المصالح الاستراتيجية، علاقات دولية قديمة جديدة، تدرّجت في مناحيها العسكرية والاقتصادية والأمنية تبعاً لمحدّدات الوضع القائم منذ الحرب العالمية الثانية، فالاتفاقات العسكرية العمانية منذ (1942 -1980) شكّلت علاقة عسكرية من خلال التسهيلات التي قدّمها السلطان بن تيمور إلى الطائرات العسكرية الأميركية، لاستخدام القواعد الجوية العمانية، وازدادت العلاقة تماسكاً بعد عام 1970 عند استخدام القوات الأميركية قاعدة «مصيرة» مركزاً لبعض العمليات العسكرية في الخليج العربي، من بينها تحرير الرهائن الأميركيين في السفارة الأميركية في طهران.
قطر أيضاً لديها علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً منذ أن استضافت قطر القوات الأميركية في قاعدة «العديد»، التي تُشكّل مرتعاً للسيطرة الأميركية في الخليج.
السعودية ومنذ أنّ بدأت العلاقات الحديثة مع الولايات المتحدة في عام 1945. كانت الولايات المتحدة السباقة للتحكم بالدولة السعودية، فمنذ الحرب العالمية الثانية تحالف البلدان ضدّ الشيوعية وقاموا بدعم استقرار أسعار النفط والمحافظة على سلامة حقوله، وشحنه عبر الخليج العربي، كما عملوا على تعزيز استقرار اقتصادات الدول الغربية، التي كان السعوديون يستثمرون فيها، وركز هذا التحالف على مواجهة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وطرد القوات العراقية من الكويت في عام 1991، بعملية وصفت بـ حرب الخليج الثانية.
أولت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة أهمية كبيرة لإنشاء قواعد عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، فيوجد لدى الأميركيين في العالم العربي عدد كبير من القواعد العسكرية، وفيها تقريباً حوالي 77 ألف عسكري، حيث كان يوجد على أرض المملكة السعودية أحد مراكز قيادة القوات الجوية الأميركية الإقليمية المهمة، داخل قاعدة الأمير سلطان الجوية بالرياض، وبواقع 5000 جندي تابعين للجيش وسلاح الجو الأميركي، وأكثر من 80 مقاتلة أميركية، وقد استخدمت هذه القاعدة في إدارة الطلعات الجوية لمراقبة حظر الطيران الذي كان مفروضاً على شمال العراق وجنوبه إبان فترة العقوبات الدولية، كما كانت تعمل مركزاً للتنسيق بين عمليات جمع المعلومات والاستطلاع والاستخبارات الأميركية في المنطقة.
لكن ومنذ أواسط عام 2003 تقريباً، انتقل حوالي 4500 جندي أميركي إلى دولة قطر المجاورة، وبقي بالسعودية حوالي 500 جندي أميركي فقط ظلوا متمركزين في ما يُعرف بـ «قرية الإسكان»، وأنهت أميركا وجودها العسكري في قاعدة الأمير سلطان الجوية بالرياض، لكنها لم تتخلّ عن سيطرتها الكاملة على قرارات الحكم في السعودية، فالعلاقات السعودية مع دول الجوار تتحكم بها الولايات المتحدة، وهذا ما شهدناه على الساحة السياسية الدولية والخلاف القطري السعودي أحدها، وما المصالحة التي تمّت بينهما في مدينة العلا السعودية، إلا بأمر مباشر من ترامب عبر صهره جاريد كوشنر.
مسرحية المصالحة التي قد يقرأها البعض على أنها تأتي في إطار إنهاء كثير من الملفات الساخنة؛ من الموقف القطري تجاه حرب اليمن وإمكانية إيقافها، أو من فتح باب التعاون الخليجي من جديد لتحسين الواقع الاقتصادي في ظلّ انتشار وباء كورونا، ولكن الأكيد أنّ توقيت هذه المصالحة التي لم تحدث إلا برضا ترامب، لها دلالات عدة أهمّها:
أولاً– المشكلة الحقيقية هي خسارة دونالد ترامب للكرسي الرئاسي في البيت الأبيض، الأمر الذي سيمنعه من الإيفاء بكلّ تعهّداته للوبي الصهيوني، لجهة الالتزامات المخصصة للكيان الإسرائيلي.
ثانياً– «فوبيا إيران»، هذا الأمر الذي يُعتبر الهاجس الأكبر لكلا الحليفين الأميركي والإسرائيلي، خاصة مع تغيّر قواعد الردع في المنطقة لصالح محور المقاومة.
ثالثاً– الملف النووي الإيراني الذي يُعدّ البند الأول في أولويات الدولة العميقة في واشنطن، لأنها تدرك التطور العسكري والاقتصادي الذي تحققه الجمهورية الإسلامية الإيرانية رغم الإرهاب المنظم الذي يُمارس ضدّ طهران.
رابعاً– العمل على استكمال بنود صفقة جاريد كوشنر وترامب، عبر إقناع الدول الخاضعة لهم باستكمال المصالحة، وبالتالي استكمال طابور التطبيع.
خامساً– منع فصائل المقاومة من الشراكة والاتحاد والتنسيق عبر الغرفة المشتركة، فإضعاف حركة حماس بالتحديد هو الأولوية الإسرائيلية لتتمكن من السيطرة الكاملة على الضفة، ولاحقاً غزة، ذلك عبر الضغط الذي تُمارسه دول الخليج على التنظيمات الفلسطينية.
سادساً– تصوير منطقة الشرق الأوسط على أنها دائماً بحاجة للتدخل الغربي الأميركي لإبقائها تحت مسمّى الدول النامية، أو دول العالم الثالث في فكر الغرب تحديداً.
سابعاً– اللعب على التوترات الحاصلة بين الفرقاء العرب، لفرض الشروط التي تحدّدها واشنطن، تحديداً لصالح الكيان الإسرائيلي.
ثامناً– الحفاظ على منطقة الخليج منطقة داعمة للنفط لصالح الأميركي، وبالتالي تحقيق الانتعاش الاقتصادي الغربي على حساب الاقتصاد العربي.
في المحصلة، فإنّ تداعيات ما يُسمّى الربيع العربي أو الشرق الأوسط الجديد، أو الأجندات التي حملتها كونداليزا رايس أو جورج بوش الأبن، وفي ما بعد باراك أوباما وترامب، ومن بعد ذلك بايدن؛ كلّ ذلك يأتي في إطار الإرث التدميري لكلّ من يخالف أبجديات الأمن الإسرائيلي، فمنطقتنا حُكم عليها بالتدمير حتى الإذعان لـ الكيان «الإسرائيلي»، الذي فُرض على منطقتنا بغطاء سياسي عسكري، ومضمون ديني صرف.
لكن رغم ذلك، ستبقى المقاومة هي المخرز الذي يؤرق المستعمر، وسيبقى هذا النهج حاضراً ما دام في الأرض محتلّ ووكلاؤه ممّن يتسترون بعباءة الديمقراطية المزيّفة.