«الربط القاريّ» مشروع القرن ومنافسة أوروبيّة جديدة..
} سماهر الخطيب
يشهد المغرب خطوات متسارعة على الجانب الاقتصاديّ خلال الفترة المقبلة، خاصة مع حلول الجانب الأميركي بالأقاليم الجنوبيّة.
فيما تدرس الحكومة البريطانيّة بقيادة بوريس جونسون استكمال نفق تحت البحر يربط جبل طارق بطنجة بالشراكة مع المغرب، وذلك توازياً مع ما تخطط له الولايات المتحدة و»إسرائيل» من استثمارات في بلاد المغرب والصحراء الغربية..
إنّ الفكرة البريطانية ليست فقط قيد التفكير، بل شرعت لندن بجدية في دراسة المشروع الذي سيربط أوروبا بأفريقيا مع تطوّر العلاقات التجارية مع المغرب.
إذ ترى لندن والرباط أن «مضيق جبل طارق، الخاضع للسيادة البريطانية، أصبح مركزاً لنفق بطول 28 كيلومتراً يربط بين البلدين»، وذلك بالإضافة إلى اتفاقية الشراكة الموقعة في عام 2020 بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وإذا ما بلورت فكرة هذا المشروع على أرض الواقع فسيكون خطوة هامة في ما يتعلق بالتبادل التجاري «البريطاني» والمنطقة الأفريقية بشكل عام، كما سيعيد الكثير من الملفات إلى الواجهة مرة أخرى، خاصة تلك الدراسات التي جرت بين إسبانيا والمغرب في فترة سابقة بشأن الأمر نفسه.
حيث سيحل المشروع البريطاني المغربي محل المشروع الإسباني المغربي والذي تمّت مناقشته لأكثر من أربعين عاماً من دون أي نتائج ملموسة.
وسواء أكان المشروع بريطانياً أم إسبانياً فإن مجرد ربط المملكة المغربية بأوروبا سيحقق حلماً بربط أوروبا بأفريقيا ولطالما راود الأوروبيين تنفيذ هذا المشروع لما يزيد عن 40 عاماً، ليصبح اليوم «مشروع القرن» بعد أن لقي صعوبات جمة بحكم تعارض مصالح الدول الأوروبية.
أما الإعلان عن هذا المشروع في الوقت الراهن فيمكن ربطه بالخطوات المتسارعة للموقف الأميركي في قضية الصحراء الغربية، وإنعاش العلاقات الأميركية مع المملكة المغربية، التي ازدادت انتعاشاً مع ما طغى على هذه الخطوة الأميركية من طابع اقتصادي وتطبيعي «إسرائيلي» وتقدمة الصحراء الغربية هدية للمغرب مقابل التمادي الأميركي – «الإسرائيلي» في شؤون المغرب ظهرت أمس، مع افتتاح ممثلية أميركية في الصحراء الغربية بما ينافي قرارات الأمم المتحدة باعتبار قضية الصحراء الغربية مسجلة ضمن أجنداتها كإحدى القضايا الخلافية المنبثقة عن مرحلة الاستعمار القديم ولم تصل الأطراف المتنازعة إلى حل بشأنها ولم تتمكن الصحراء الغربية من طرح الاستفتاء على الأهالي بحسب ما نصّ عليه قرار مجلس الأمن بشأن هذه القضية..
وتأتي أهمية الأقاليم الصحراوية الغربية والميناء المتوسطي في طنجة المغربية، لكونها بمثابة الشريان الاقتصادي المعوّل عليه لتحقيق الدينامية الاقتصادية بين القارتين، وجلب الاستثمارات الخارجية إلى المملكة المغربية.
وإذا ما تمّ هذا المشروع فسيكون ضربة قاسية خصوصاً لإسبانيا التي تماطلت لسنوات لترجمة الاتفاق المبدئيّ، بين الملك الراحل الحسن الثاني والملك خوان كارلوس سنة 1979، خاصة في ظل احتمالية تدخل الولايات المتحدة على الخط في إطار السياسة الشمولية المستجدة في المنطقة.
وبحسب خبراء فإنّهم لا يستبعدون تسريع وتيرة إنجاز المشروع البريطاني، ولن تكون التكلفة باهظة، بالنظر إلى تجربة بريطانيا في هذا المجال، بالإضافة إلى دول لها السبق في ذلك خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية و»إسرائيل».
وفي ظل التحرّكات الثنائية المتسارعة بين الرباط ولندن، قد تجد مدريد نفسها مضطرة للجلوس إلى طاولة المفاوضات للاستفادة من نتائج هذا المشروع الآنية والمستقبلية أيضاً.. فيما يرجّح مراقبون أن يعيد هذا المشروع مستقبل «جبل طارق» إلى الواجهة من جهة، وكذلك المدينتين السليبتين المغربيتين «سبتة ومليلة» من جهة ثانية، وخاصة بعد تصريحات إسبانيا مؤخراً حول حسم موضوع تلك المدينتين اكونهما تحت إدارتها معتبرتهما ك مدريد مدينتين إسبانيتين لا مجال للمجادلة في مستقبلهما وهو ما يوضح بقايا الأطماع الاستعماريّة من جهة وتأكيدها على الحضور في هذا المشروع من جهة أخرى.. خاصة أن «مشروع الربط القاري» هو بمثابة حلم يراود المغاربة كما الإسبان منذ عقود.
أما الاتفاقية الأخيرة التي تمّت بين المغرب وبريطانيا بعدما فكت الأخيرة ارتباطها بالاتحاد الأوروبي فإنها تسرّع إنشاء معبر يربط بين جبل طارق من جهة وطريفة نحو المغرب من جهة أخرى.
فالطموح الأوروبي ومعه بريطانيا يسعى منذ عقود لإنشاء طريق برية حتى تدخل للعمق الأفريقي عن طريق بوابة المغرب. وهو ما سيولد منافسة شرسة بين بريطانيا وإسبانيا لإنشاء هذا النفق البحري الذي سيربط أوروبا بأفريقيا.
كما أنّ هناك احتمالية لدخول «إسرائيل» على خط الإنجاز وذلك بسبب وجود جالية يهودية بكل من جبل طارق وسبتة من جهة وبحكم كونها بالشريط الساحلي للأبيض المتوسط من جهة ثانية والتطبيع مقابل منح الصحراء الغربية للمغرب من جهة ثالثة وهو ما سيجعل البقاء «الإسرائيلي» في الصحراء الغربية أمراً هيّناً، وكذلك مساعي ربط بقائها بأفريقيا عبر تعميق حضورها غير الشرعي في المغرب..
وفي العودة إلى الاتفاق البريطاني المغربي فعُقد أول حوار استراتيجي بينهما في تموز 2018 في لندن، واستضافه وزير الخارجية آنذاك بوريس جونسون وحضره وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة. أي بالتزامن مع محادثات الانفصال «بريكست» بالتالي تنبهت بريطانيا إلى أن النفق يعني بالنسبة لها الحفاظ على بوابة مفتوحة مع أوروبا في منافسة مباشرة داخل الجزيرة الخضراء. كما سيكون المغرب بديلاً جيداً لبريطانيا لتعويض المنتجات الزراعية التي كانت تستوردها من إسبانيا والبرتغال وإيطاليا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
ومع وجود التعاون الوثيق بين المغرب وبريطانيا فإن المشروع سيشكل فرصة اقتصادية وسياسية لكليهما..
وعلى الصعيد التجاري، اتفقت الرباط ولندن أيضاً في العام 2019 على الحفاظ على العلاقات التجارية المغربية الأوروبية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وما يؤكد أهميّة هذا السوق الزراعي بالنسبة لبريطانيا هو إبرامها صفقات عدة، بما في ذلك اتفاق متبادل لتصدير المنتجات من الصحراء الغربية – بما في ذلك الأسماك والفوسفات – إلى السوق البريطانية.
بالتالي فإن «الرابط القاري» بين المغرب وجبل طارق سيكون من بين السمات المميّزة لمرحلة ما بعد «بريكست» وستجعل المغرب موضع منافسة شديدة بين إسبانيا وبريطانيا.. ما يعني فتح بؤرة صراع جديدة قوامها الأول تحقيق المصالح البريطانية – الأميركية – «الإسرائيلية»..