بعد 1035 عاماً من تأسيسه ما زال مستخدماً وله زبائن الحمام الدمشقيّ بصمة فرادة للعاصمة السورية
الحياة متعبة عادة.. ضغوط العمل والأسرة والواقع اليومي، فضلاً عن الحرب العشرية على سورية.. كل هذا يدفع المرء للبحث عن متنفس يعيد إليه نبض الحياة وأوكسجين انطلاقة جديدة.
«نعيماً يا عريس، حمام الهنا».. عبارات تأخُذك إلى أروقة الشام القديمة ليطفو شعور بالدفء والانتعاش بعد حمامٍ دمشقي في أحد حماماتها العريقة، يسترجع المرء من خلاله بعضاً من نفحات ألف ليلة وليلة.
فما أن تضع قدمك على المدخل الحجريّ للحمام الذي حافظ على تفاصيله التراثية في العاصمة السورية كواحد من أقدم الحمامات العامة في العالم، حتى يعصف بك الزمن الغابر، حيث التفاصيل الدمشقيّة تتجلى بأبهى صورها، ليستقبلك هناك «الناطور» مقدّماً إليك أدوات الحمام في صالة «البراني» التي تحتفي بك بجواهرها الفنية وبركتها المائية المتوسطة المحاطة بالمصاطب، ولكلِّ مصطبة خزانة تضع ملابسك بداخلها، وأسفلها توجد فتحات في الجدران على شكل طاقات لوضع «القباقيب»، وفي السقف قبة يتدلى منها سلسال طويل يحمل الثريا مترجماً جمال الهندسة القديمة.
وفي جوٍ أليف دافئ يقودك الناطور تجاه الصالة الثانية التي تفوح حجارتها بعبق الماضي، وهي القاعة الأكثر هدوءاً وتسمّى «الوسطاني» الذي يتسلل إليه ضوء النهار راسماً خطوطه المضيئة عبر قطع زجاجية ملونة وضعت في السقف.
المصوبن
في «الوسطاني»، تتوزّع القدور الحجرية المملوءة بالماء الفاتر والأدوات التراثية التي يحملها موظف يسمّى (المصوبن أو المكيس)، ومهمته الأساسية استخدام خبراته المتراكمة لفتح مسام جلد الزبائن ليزيل التعب والهم ويساعدهم على الاسترخاء.
وكانت لا تزال دمشق تحتضن العديد من الحمامات التاريخية المستمرة في عملها، مع إضافات جديدة إلى الأقسام التقليدية، ومن بينها غرفة البخار «الساونا» و»الجاكوزي».
وبالحديث عن تاريخ حمّام الملك الظاهر قال صاحبه بسام قال الكبب: هو أحد أقدم الحمامات في العالم التي لا تزال تعمل حتى يومنا هذا، بناه أحمد بن حسن العقيقي عام 985 للميلاد (375 للهجرة)، ومن ثمَّ اشتراه منه الملك السعيد ابن الملك الظاهر بيبرس، ولذلك سمّي بحمام الملك الظاهر.
وأشار الكبب إلى أن «حمام السوق» كان من أساس تقاليد الدمشقيين التي لا يستغنون عنها، وهو بالنسبة لهم ذاكرة جماعيّة، مؤكداً أن «عدد مرتادي هذا المكان بقي كما هو، ولم يختلف عن فترة ما قبل الحرب، فرواده لا زالوا يقصدونه للاستراحة من أعباء الحياة، فيما يزداد الإقبال عليه في فصل الشتاء، نظراً لقلة النشاطات الترفيهيّة التي يمارسونها، بسبب برودة الطقس».
وبعد تنول الحمام الساخن يمكن للمستحمّ تنول كأس من (الشاي الخمير) مع الليمون، كما يسميه الدمشقيون، تنتهي رحلة مرتادي هذا المكان العظيم الذي يبلغ من العمر اليوم نحو 1035 عاماً.
للمتابعة: