مَن يمنع تأسيس نظام سياسيّ جديد؟
} د. وفيق إبراهيم
الاتفاق كامل على عمق انهيار النظام السياسيّ اللبناني وشلل الأدوات التي تتشكل منها.
هذه الدرجة من الانهيار غير مسبوقة، لأنها مرتبطة بخطر لتشكيل نظام جديد إنما بمعادلات تنتمي الى الأطر الطوائفيّة القديمة نفسها. وهذا أمر مثير للعجب، فهل الأطراف التي تستهدف النظام السياسي الحالي تستهدف نظاماً أم كياناً سياسياً وبالتالي دولة؟
لذلك فإن هذه الإشكالية مرعبة لأنها تعني إلغاء دولة لبنان عن الخريطة السياسيّة للمنطقة وربما إلغاء دول أخرى من طريق إعادة بعثرتها على خريطة المنطقة بما يتطابق مع ما سبق للوزير الأميركي السابق هنري كيسنجر أن دعا اليه قبل خمسين عاماً تقريباً.
تزخر منطقتنا بعدد هائل من أقليات دينية وعرقية بإمكان القوى الكبرى استخدامها لتصليب كيانات أو إضعاف أخرى، حسب ارتباطاتها بأصحاب المشاريع.
هذا يعطي فكرة عن مدى ضعف الأقليات الإسلامية المنتشرة في الخليج العربي وقوة أقليات أخرى في مناطق سورية والعراق ولبنان هي أقل عدداً منها او تمتلك بالتالي مساحات أكثر ضيقاً ومحدودية، لكنها تقع في قلب المشاريع الكبرى السياسية للدول العظمى، بما يؤدي الى منحها أهميات تبدو كأنها في قلب التاريخ.
إن التركيز على الحركتين الأميركيتين السياسية والاقتصادية يكشف أن حركتهما تنصبّ على المشرق العربي.
وإلا فلماذا لم تبدأ بشمال أفريقيا العربية حيث يشكل الأمازيغ البربر اكثر من ثلاثين في المئة من سكانه في المغرب والجزائر وليبيا وتونس ونحو 5 في المئة من المصريين.
كما أن أقباط مصر هم أهله الأصليون وانحدر عديدهم في مصر التي هي تحريف لكلمة «أ جيتوس» أي القبطي من 12 مليون نسمة الى خمسة ملايين فقط بسبب سياسات الفقر والإفقار.
ولماذا لم يتعامل مع ثلاثة ملايين شيعي من السعوديين هم موجودون حتى الآن في المنطقة الشرقية وأنحاء مكة والمدينة. أي قبل آل سعود بألف عام على الأقل؟ لأن مشاريع التغيير العالميّة المخصصة للعرب، تنحصر حالياً في الشرق العربي شرط أن تبتعد عن البقرة الحلوب الخليجية من حدوده مع اليمن وحتى بادية الأنبار في العراق.
هكذا يصبح الهدف الأميركي واضحاً بالبرهان وليس بالتحليل يبتدئ باليمن لتفكيكه ومنع أنصار الله من تأسيس دولة واحدة قويّة فيه وصولاً إلى العراق، حيث توصل المشروع الأميركي الى ضرورة تفكيكه لأكثر من دولة على أسس عرقية وطائفية ومذهبية.
لا تكتمل آفاق النجاح لهذا المشروع اذا لم يقفز الى سورية ليفككها مذهبياً وعرقياً ويحط رحاله في لبنان المهيأ للتشرذم المذهبي والطائفي الى آخر اختراعات السياسة في فنون اكتشاف لبنانيين من أصول تركية صالحين لتشكيل كانتون.
بذلك يتضح أن لبنان على خط الانتظار يترقب متى يظهر المقص الأميركي ليبرع في لعبة التمزيق التي تخدم المشروع الأكبر بجزءيه الفلسطيني والسوري.
وينجلي أمام اللبنانيين بوضوح كيف أن التدابير والعقوبات الأميركية الاقتصادية والسياسية التي تستهدف لبنان بأسره، إنما تندرج ضمن اطار المشروع الأميركي الشرق اوسطي الاكبر الذي يلعب بقوة في اليمن والعراق وسورية، ليصل الى طرفه الأقصى عند حدود البحر المتوسط.
هناك عنصر يفاجئ اللبنانيين ويكشف الأبعاد السياسية للمشروع الأميركي، وهو ان كامل عناصر استبدال النظام اللبناني أصبحت كاملة من نظام طائفي نموذج 1920 الى نظام طائفي نموذج 2020.
فلماذا لا يدفعه الأميركيون للظهور؟ فالطرف الشيعي كامن يتربّص والفريق السني ينتظر دوراً خليجياً أكبر يمنحه مصالح داخلية أكبر، كذلك الدرزي الذي يحلم بكانتون من الشوفين وعاليه، ساعياً الى ربطهما ببعض أنحاء البقاع الغربي من ناحية كفريا التي يمتلك كرومها وليد جنبلاط ويعتصرها نبيذاً فاخراً.
أما المسيحيون فدويلتهم جاهزة وأكبر من حجمهم الديموغرافي.
هنا قد يصطدم اللبنانيون بأن المشروع الأميركي لا يتماشى مع مطالبهم.
لأنه يريد حلاً للقضية الفلسطينية وإسناداً للتفتيت السوري، وكيف تقبل «إسرائيل» بدويلة شيعية تبتدئ من الجنوب حيث أساس بلواها وما تشعر به من خطر عليها؟
لذلك يمنع الأميركيون حالياً تأسيس نظام فدرالي جديد أصبح جبران باسيل الوزير السابق ورئيس التيار الوطني من أنصاره إنما على اساس لامركزية موسعة تدفع ربما الى التقسيم الفعلي. بذلك يتضح أن الأميركيين هم الذين يفجّرون النظام السياسي اللبناني وهم الذين يمنعون تشكيل بديل عنه، وذلك لظهور عقبات حالت دون تنفيذ الخطط الأميركية في اليمن والعراق وسورية.
ما يقتضي ممارسة فنون الانتظار والترقب حتى تتضح نتائج الصراعات العسكرية في تلك المناطق بشكل أوضح.
واذا كان الأميركيون مجبرين على الترقب والانتظار، فلماذا اذاً يجب على القوى السياسية اللبنانية أن تنتظر بدورها؟
إن تعددية القوى السياسية اللبنانية وعدم تمكن حتى قسم منها في الإمساك بالجغرافيا السياسية اللبنانية يفرض عليها أن تقف في طابور الانتظار الإقليمي وذلك لعجزه عن التمرّد على القرار الأميركي.
لبنان اذاً أمام انتظارين حلف المقاومة ينتظر انتصارات أكبر في اليمن والعراق وسورية وحلف جعجع – جنبلاط – المستقبل، يترقب انتصاراً إسرائيلياً خليجياً أميركياً على محور المقاومة.
ولا شك في أن الطابع الوطني لقتال حلف المقاومة هو مَن يدفع باتجاه انتصار الشعوب في زمن يلوح في الأفق القريب.