لبنان بين المرّ والأمرّ…
} سيرينا ممدوح أبو ضرغم
يعاني لبنان اليوم ضائقة اقتصادية ومالية لم يشهد لها مثيلاً منذ انتهاء الحرب الأهلية، وكأنّ اللبناني لا يكفيه ما يعانيه من أزمات وصعوبات حتى بدأ التلميح الى كارثة اجتماعية ستحلّ به بعد التهديد برفع الدعم عن المواد الأساسية من طحين ومحروقات ودواء، ناهيك عن احتجاز أموال المودعين في المصارف.
عقب تصريح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المتضمّن عدم استطاعة مصرف لبنان توفير العملة الصعبة للمستوردين بسعر الصرف القديم البالغ 1500 ليرة لبنانية للدولار بغية الاستمرار في دعم السلع الأساسية، عقد رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب اجتماعاً مع عدد من الوزراء والحاكم للبحث في هذا الموضوع. دياب أيّد اقتراح ترشيد الدعم من حيث استخدام الأموال الموجودة لدى مصرف لبنان لمدة أطول. إلا انه في الوقت عينه حاول إبعاد هذه الكرة النارية عنه متذرّعاً بعدم دستورية انعقاد مجلس الوزراء في حكومة مستقيلة لاتخاذ أيّ قرار بهذا الشأن، كما دعا الى حلّ مؤقت لأزمة الدعم بالتعاون مع كلّ من مصرف لبنان واللجان النيابية المختصّة لتمرير المرحلة بانتظار الحكومة الجديدة.
وفقاً لأحكام المادة 64 (البند 2) من الدستور «لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال»، إلا انّ مجلس شورى الدولة وبعد الفراغ الحكومي الذي عرفه لبنان سنة 1969 عقب استقالة حكومة الرئيس رشيد كرامي قسّم بقراره رقم 614 تاريخ 1969/12/17 أعمال الحكومة الى ثلاث فئات وذلك تجنّباً للأخطار والمحاذير التي قد تنشأ عن الفراغ عملاً بمبدأ استمرارية المرفق العام وذلك على النحو الآتي:
الفئة الاولى: الأعمال الإدارية العادية، أيّ الأعمال اليومية غير التصرفية التي يعود للهيئات الإدارية القيام بها، كلّ ضمن صلاحياتها والتي يتوقف إجراؤها في غالب الأحيان على موافقة هذه الهيئات.
الفئة الثانية: الأعمال التصرفية في الظروف العادية، وهي بصورة عامة، تلك التي تنطوي على أعباء جديدة أو التصرف باعتمادات هامة او إدخال تغيير جوهري على سير المصالح العامة او في أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكون هذه الأعمال لا تدخل في نطاق تصريف الأعمال ولا يمكن لحكومة فقدت كيانها القانوني أن تقوم بها.
الفئة الثالثة: الأعمال التصرفية في الظروف الاستثنائية، وهي الأعمال السابق ذكرها التي يمكن للحكومة المستقيلة القيام بها في ظلّ ظروف استثنائية تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية وفورية لحفظ النظام العام وأمن الدولة تحت رقابة القضاء الذي يعود له وحده حق تقدير هذه الظروف وإعطائها صفة المشروعية طالما انّ الحكومة المستقيلة لم تعد خاضعة للرقابة البرلمانية.
بالعودة الى واقعنا، نحن نعيش اليوم تحت وطأة ظروف صعبة تأخذ طابع الظروف الاستثنائية وتتلاشى خلالها مقوّمات البلاد بينما المجاعة تقرع الأبواب ما يحتّم على الدولة والمعنيين اتخاذ تدابير سريعة لتدارك الأمر بالعمل على توفير بدائل معيشية للشرائح الفقيرة من المجتمع لئلا تتسع دائرة الفقر بشكل غير مسبوق، خصوصاً مع انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين وتدهور قيمة العملة الوطنية. وعليه، فإنّ حكومة حسان دياب المستقيلة ملزمة في ظلّ هذه الأوضاع بالعمل جدّياً للحفاظ على مؤسسات الدولة واحتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية ووضع آلية لتخفيف اثر رفع الدعم على العائلات الاضعف حالاً. وعليه، فإنّ ما أدلى به الرئيس دياب ليس إلا محاولة لكسب الوقت بانتظار حلحلة التعقيدات التي تكبّل تشكيل الحكومة الجديدة، ولتفادي توريط حكومته المستقيلة بقرار رفع الدعم في وقتٍ بات مضطراً الى اتخاذ قرار كهذا طالما لا بوادر إيجابية لتشكيل الحكومة الجديدة ووجود عقبات كثيرة أمام تأليفها.
الحقيقة انه رغم خطورة الوضع وهول الكارثة التي باتت على الأبواب، ما زال السياسيون يعتبرون مصالحهم الشخصية أولوية مطلقة، ولا أحد يسأل عن مصالح الناس ومستقبلهم. فهم ما زالوا يختلفون ويتناحرون على حقائب وزارية بدعوى حقوق طوائفهم، فيما البلاد على وشك الانهيار الكلي. كما يبدو انهم يعلّقون مسألة تشكيل الحكومة الى مرحلة ما بعد تسليم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مقاليد السلطة في العشرين من كانون الثاني الحالي، آملين بأن تكون سياسة بايدن مختلفة عن سياسة ترامب حيال لبنان.
الى أين من هنا؟ وماذا سيحدث في مطالع العام الجديد؟ ماذا عن سعر صرف الدولار؟ هذه الاسئلة وغيرها يطرحها الشعب اللبناني على هذه الطبقة الفاسدة من حكامه من دون أن يحظى بأيّ جواب واضح. لكن الأكيد انّ هذه المنظومة المافيوية المسيطرة لم ولن تنجح في تقديم ايّ خطط إنقاذية للحصول على دعم من المجتمع الدولي لإنهاض البلد من جديد وإعادة الأمل الى أهله.