قراءة في أهمّ الأحداث حول العالم!
د. محمد سيد أحمد
شهد العالم هذا الأسبوع ومع مطلع العام الجديد بعض الأحداث السياسيّة الهامة والتي شغلت الرأي العام على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، ومن منظور التحليل السياسي سوف نتوقف أمام ثلاثة أحداث رئيسية تمّ استدعائي لتحليلها عبر المنابر الإعلامية المختلفة، وكان تحليلي للأحداث الثلاثة مبنياً بالأساس على رؤية واقعية بعيداً عن الأمنيات والأحلام من ناحية وبعيداً عن المواقف الأيديولوجية من ناحية أخرى. هذا إلى جانب وضع المصلحة الوطنية المصرية والمصلحة القومية العربية في الاعتبار عند البدء في عملية التحليل، والمشهد الأول الذي سوف أتوقف أمامه لتحليله هو تصاعد الحرب الكلامية بين أميركا والجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي تنبّأ البعض بأنها سوف تتطوّر لتصل إلى مواجهة عسكرية حتمية قبل مغادرة دونالد ترامب للبيت الأبيض، والمشهد الثاني هو المصالحة بين قطر من ناحية والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من ناحية أخرى، والمشهد الثالث هو اجتياح أنصار دونالد ترامب لمبنى الكونغرس لمنع إعلان فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية.
وفي ما يتعلق بالمشهد الأول فقد تصاعدت التهديدات المتبادلة بين أميركا وإيران، وهو ما جعل البعض يؤكد احتمالية اشتعال الحرب في الأسبوعين الأخيرين من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويرى أنصار هذه الرؤية أنّ ترامب سوف يُقدم على هذه الخطوة المتهوّرة بعد هزيمته في الانتخابات الرئاسية لكي يخلط الأوراق ويضع الرئيس القادم في مأزق، يفشل أية محاولة أميركية – إيرانية للوصول إلى اتفاق نووي جديد بديلاً عن الاتفاق الذي خرج منه أثناء ولايته والذي عُقد خلال ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي ينتمي لحزب الرئيس الجديد جو بايدن نفسه. وفي هذا السياق جاء تحليلنا مختلف تماماً فعلى الرغم من تهوّر ترامب وتصاعد الحرب الكلامية مع إيران لأقصى درجات الاشتعال إلا أنّ الإدارة الأميركية المتمثلة في مؤسسات الدولة العميقة والقوى الصلبة قادرة على فرملة تهوّر ترامب ومنع الحرب، وذلك لإدراكها قوة إيران في هذه المنطقة الحيويّة من العالم، والتي تشكل إحد أهمّ مناطق نفوذ الولايات المتحدة الأميركية، حيث ترتبط مصالح أميركا بدول الخليج النفطية، لذلك أقامت الولايات المتحدة العديد من القواعد العسكرية لحماية مصالحها في هذه البقعة الجغرافية الغنية بمصادر الطاقة، ونشوب أي حرب مع إيران يعني إمكانية الإضرار بالمصالح الأميركية في المنطقة، ذلك لأنّ إيران تمتلك قوة صاروخية يمكن أن تطول وتدمّر كلّ القواعد العسكرية والمصالح الأميركية في المنطقة.
أما المشهد الثاني وهو المصالحة القطرية مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فقد كانت مفاجأة للرأي العام المصري والعربي، ودارت التكهّنات حولها وهل ستنجح أم لا، وبعيداً عن التنظير الذي لا يفيد كثيراً في مثل هذه الحالات فما يعنينا هو علاقة قطر بالأقطار العربية الأربعة على أرض الواقع، وهنا لا بدّ من التأكيد على أنّ خلاف قطر مع الدول الخليجية الثلاث السعودية والإمارات والبحرين يمكن استيعابه بوساطة أميركية باعتبار السيد الأميركي هو الراعي الرسمي لدول الخليج جميعها، وكانوا جميعاً في خندق واحد قبل نشوب الخلاف في منتصف العام 2017، حيث نسبت تصريحات لأمير قطر تقول «إيران تمثل ثقلاً إقليمياً وإسلامياً لا يمكن تجاهله، وليس من الحكمة التصعيد معها»، مؤكداً أنها «قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة». ورغم تكذيب هذه التصريحات فقد كانت السبب الرئيس في قطع العلاقات مع الدول الخليجية الثلاث، وبما أنّ أميركا مقبلة على تهدئة جديدة مع إيران، فيمكن أن تكون قطر هي همزة الوصل لتهدئة بين السعودية وإيران للخروج من مستنقع اليمن، أما الوضع مع مصر فهو مختلف تماماً، حيث قامت قطر بدعم جماعة الإخوان الإرهابيّة وفتحت أراضيها لاستقبالهم واستضافتهم، وكرّست إعلامها للهجوم على الجيش والقيادة السياسية المصرية، وما زالت هذه الحرب مستمرة، لذلك جاء تحليلنا أنّ موقف مصر من المصالحة سيكون صعباً للغاية ولن تجدي معه أي وساطة أميركية أو خليجية، وإنْ تمّ قبوله على المستوى الرسمي فسيظلّ مرفوضاً على المستوى الشعبي.
وبالنسبة للمشهد الثالث وهو إعطاء الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب إشارة البدء لأنصاره لاقتحام مبنى الكونغرس الأميركي لمنع التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية والذي يُعدّ شرطاً من شروط تنصيب الرئيس الجديد في محاولة لعرقلة وصول جو بايدن للبيت الأبيض، فقد انهالت التحليلات المتسرّعة بعد دقائق معدودة من الحدث وعبر كافة وسائل الإعلام حيث بالغ البعض وذهب إلى أنّ الولايات المتحدة تسير في طريق تحللها وانهيارها نتيجة أنّ هذا المشهد الفوضويّ لم تشهده بلاد العمّ سام منذ نشأتها وحتى الآن، لكن تحليلنا جاء مختلفا أيضاً وبعيداً عن الأحلام والأمنيات. فالولايات المتحدة الأميركية تعتمد على ديمقراطية مزعومة، وهذا الوجه الديمقراطي الذي تصدّره للعالم لا يمتّ للواقع بصلة فهو قناع سقط مع وصول ترامب للبيت الأبيض حيث ظهر الوجه الحقيقي للولايات المتحدة عبر السنوات الأربع الماضية وسقطت من دون رجعة شعارات الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان، لذلك ستقوم مؤسسات الدولة العميقة والقوى الصلبة بالسيطرة على المشهد وإجبار ترامب بالخروج وقد تتمّ محاكمته في محاولة لتصوير المشهد بأنه تهوّر من فرد فقد صوابه، لذلك ستبقى الولايات المتحدة الأميركية قوة فاعلة على المستوى الدولي لسنوات آتية، ولن تنهار الإمبراطورية الأميركية بهذه السهولة.
هذا هو مجمل تحليلنا لأهمّ الأحداث التي شهدتها الساحة السياسية الإقليمية والدولية خلال هذا الأسبوع، فلن تنشب حرب بين أميركا وإيران، وقد تحدث مصالحة بين قطر والسعودية والإمارات والبحرين، لكن هذه المصالحة صعبة للغاية مع مصر في ظلّ استمرار دعم قطر لجماعة الإخوان الإرهابية، ولن تنهار أميركا بفعل سقوط الأقنعة الديمقراطية فمؤسسات الدولة العميقة والقوى الصلبة قادرة على احتواء الأزمة.
اللهم بلغت اللهم فاشهد.