الصين وروسيا تترقبان انهيارات أميركيّة أكبر
} د. وفيق إبراهيم
كانت التوقعات السياسية تعتقد أن التحرك الروسي – الصيني جاهز لتغطية التراجعات الأميركية في العالم. لكن هذا التراجعات ادركت حدود انفجار النظام السياسي الأميركي نفسه وتركت تداعيات على مستوى أكثر من منطقة في العالم، خصوصاً في الشرق الاوسط باتجاهاته الرباعية الايرانية والعربية والاسرائيلية والتركية، حتى أن حروباً تحتاج الى قليل من الدفع حتى تنفجر تتحضّر في كل زاوية من زوايا هذه المنطقة.
كما ترد تأكيدات بأن حرباً أميركية إسرائيلية خليجية على إيران هي على وشك الاندلاع إن لم يوقف الكونغرس الأميركي محاولاته لعزل الرئيس الأميركي ترامب وهذا مرتقب في غضون اليومين المقبلين فقط، ومقدّماته بدأت بقصف إسرائيلي على مواقع في سورية يقول الإسرائيليون كعادتهم إنها إيرانية.
لكنهم يضيفون هذه المرة أن المعلومات حول المناطق السورية المستهدفة تلقوها من الأميركيين وجهات عربية متعدّدة.
هنا تكمن مصادفة عميقة تتعلق بكيفية وجود قوى عربية تعرف أين تقيم إيران قواعد لها في سورية الى ان تذهب الاتهامات الى ان التنظيمات الإرهابية العاملة بين خطوط تركيا وأميركا في وسط سورية وأنحائها الشرقية هي التي وفرت هذه المعلومات الى مموّليها.
هناك اذاً تركيز أميركي إسرائيلي خليجي على سورية ليس مستبعداً أن يذهب الى حدود إعلان حرب كبيرة عليها لمدة خمسة ايام من قصف جويّ جهنميّ يفتح الطريق لإعادة انتشار عشرات آلاف الإرهابيين من جهة وتوسيع إطار الاحتلال الكردي من جهة ثانية والاحتلال التركي من جهة ثالثة.
للإشارة فإن هذه المعلومات هي في تداول يومي كبير، لكن لم تحدث ردات فعل روسية او صينية. وهنا يكمن العجب والدافع الى طرح التساؤل عن أسباب هذا الصمت الروسي.
أولاً يكاد هذا الصمت يعادل مستوى المراحل العادية من العلاقات التقليدية بين الأميركيين والروس فهل من أسباب عميقة له، لكنه لا يشذ عن السياسة التقليدية الصينية، التي لا تزال تولي السلعة التجارية أهمية قصوى يجعلها تختبئ وراءها ولا تغامر بأي سياسات هجوميّة قد تؤثر على التطور الاقتصادي الصيني الطامح الى احتلال موقع متفوّق على الاقتصاد الأميركي في مدى الخمس سنوات المقبلة، وربما أقل من ذلك.
هذا ما يفرض على الصينيين تطبيق سياسة مرنة مع أي هجمات سياسية أميركية ولا تتحرك إلا عندما تصل التهديدات الأميركية الى محيط الجغرافيا الصينية في بحر الصين وتايبيه وتايوان وهونكونغ وكوريا الشمالية.
هذا هو الفارق الصيني مع روسيا التي تعتبر نفسها معنية أكثر من غيرها بالحركة الأميركية في الشرق الأوسط.
واذا كانت الحركة الأميركية – الإسرائيلية الخليجية تستهدف إيران فإنها توجه ضربات عسكرية استهدافاً لها بشكل مباشر. فلماذا يتريّثون اذاً؟
تدرك روسيا أن ما يحدث في الداخل الأميركي عملية انهيار على وقع متدحرج للنظام السياسي الأميركي الذي يمسك بالعالم. وهذا يُرخي بتداعياته على العالم بأسره، مؤسساً لتوترات عميقة في أكثر من جهة عالمية لذلك فإن الروس يفضلون سياسة إخفاء الرأس حالياً مع انتظار مرحلة الرئيس المقبل بايدن، وهي مرحلة إعادة تقاسم الأدوار عالمياً بين القوى القطبية الجديدة.
فلماذا يتحرّكون الآن؟ فهذا قد يؤدي الى اعادة وصل ما انقطع بين القوى الداخلية الأميركية التي قد تعاود الاتحاد بينها نحو وطأة ما تعتقده هجوماً روسياً يستهدف المكانة الأميركية العالمية. وهذا ما ينتاب الصين ايضاً التي تختفي للأسباب المذكورة نفسها وهي الخوف من عودة الأميركيين الى الاتحاد الداخلي في وجه صين تريد الدور القطبي الاول ومعها روسيا للأهداف نفسها.
لكن هذا الاختفاء الروسي له حدوده القصوى، ومركزها في ضرورة منع عمليات كبيرة تستهدف مكانة النظام السياسي السوري.
لذلك فإن روسيا تراقب بعمق ما تؤول اليه الخطة السعودية الخليجية الاسرائيلية التي تعمل بضراوة على توريط ترامب في حرب ضد سورية وإيران معاً.
وهي تعرف أن ترامب يمسك بهذه الورقة لأيام عدة فقط، فإذا شعر ان الكونغرس الأميركي ذاهب الى عزلة او اتهامه باستثارة اعمال عنف في الداخل الأميركي قد لا تكون كافية فقط لعزله بل لوصفه في منزلة الرؤساء الأميركيين الذين أساؤوا للولايات المتحدة الأميركية. ولن يوفر التاريخ الأميركي له بضع صفحات تشير الى انه أسوأ رئيس في السياسة الأميركية منذ 250 عاماً ونيّفاً.
هذا يعادل عملياً عقوبة أكثر من السجن قد تدفع ترامب الى العودة الى ألمانيا المصدر الأساسي لعائلته التي هاجرت منها كحال الملايين من البيض الأميركيين الوافدين من ايرلندا وبريطانيا وفرنسا، وايطاليا واسبانيا…
الروس اذاً يصمتون متفرّجين على مزيد من التقهقر الأميركي الداخلي والخارجي ومعهم الصينيون الذين يرون أن عصر سلعتهم اقترب من اجتياح أكثر للعالم في حين ان «اسرائيل» والخليج يواصلون الضغوط لإنتاج حروب على ايران وسورية تنقذ أدوارهم المقبلة، لكن التاريخ لا يكتبه الا أصحاب الحقوق.. وهؤلاء هم سورية ومؤيدوها.