الجالية اللبنانية في شاطئ العاج تحيي ذكرى أسبوع الرفيق الشهيد فؤاد صالح (1)
أحيت منفذية شاطئ العاج في أبيدجان ذكرى مرور أسبوع على استشهاد بطل المقاومة الوطنية اللبنانية الرفيق فؤاد صالح باحتفال تأبيني أُقيم في النادي الحسيني في أبيدجان، وذلك في الساعة التاسعة من مساء يوم الاثنين الواقع في 29/10/1984.
حضر الاحتفال المنفذ العام وأعضاء هيئة المنفذية وحشد كبير من أبناء الجالية اللبنانية.
افتُتح الاحتفال بآيٍ من الذكر الحكيم. ثمّ تحدث الشيخ عدنان زلغوط عن معنى الشهادة، ووجّه تحية إلى المقاومة الوطنية اللبنانية، وندّد بعمليات القمع التي يقوم بها العدو الإسرائيلي في الجنوب الصامد.
وألقى الشاعر المهجري الكبير الأستاذ بولس الشرتوني قصيدة قومية ألهبت مشاعر الحضور.
كلمة المنفذية ألقاها المنفذ العام، كما ألقى الرفيق حسن صالح، شقيق الشهيد، كلمة آل الشهيد.
كلمة المنفذ العام
المنفذ العام استهلّ كلمته بالقول:
أخواني، أخواتي، رفقائي
الجرح ينطق يا فم
ودم الفــــــدا يتكلم
فاسكت فإنّــــــــك إن
تكلمت الزوابع أبكم
ماذا يقول الحرف في
الشفتَين إن قال الدم
الشهادة هي قمة الوفاء، قمة العطاء، وهي أرقى مراتب البطولة… وإنها القوة الخارقة التي قررت إرادة المصير والقدر… الشهادة هي الفعل المتفوق الذي انتصر على الواقع وجعل من الحركة المدركة القفزة التاريخية الجبارة التي غيّرت ملامح التاريخ، وكانت الفلسفة الحقيقية لقوّة الإنسان المبدع الذي وضع الأسس الحيّة لحقيقة الفكر والحق والخير والجمال، حيث بنى لمقامه قضية تعلّقت بالأرض والوطن والوجود… في انتصار البقاء.
شهيد القدس، هو العلامة الإرادية الرسولة العالية التي جعلت من التعاليم حقيقة الحضارة والإنسانية النيّرة، وقد فصلت العهد القديم إلى العهد الجديد، حيث هداية عيسى تشعّ على العالمين.
وشهداء كربلاء، هم الطريق التي غيّرت كل المعالم السوداء الخارجة الفاسقة، حيث جعلت الدين ينتصر على كل الخوارج والانحدارات والكفر، ويركّز حقيقته الخيّرة على كلّ الوجود، ويرتفع إلى أسمى العوالم الخالدة. ولولا نزيف الدم لما تحطّمت العروش الطغاة، ولما كانت هناك حكاية حرية وحياة ووجود وقضية.
لقد تباركت إرادة الدم التي ستجعل منّا أحياء من أمة حيّة تتخلّص من براثن المجرمين الغاصبين الأعداء الذين أرادوا نهاية حضارتنا من مركز الأبراج، وليأخذوا أرضنا وخيراتنا وتراثنا ويحطّموا وجودنا من أرض الآباء والأجداد والرسل، وقد سرقوا الكتاب والدين والحضارة والإنسان والسماء، بعد أن جرّحوا حتى الأغوار والأبعاد بالكفر والاحتيال والسقوط… «لتجدّن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود» (صدق الله العظيم) ولقد قال السيد المسيح عنهم: «سأرحل وتفتشون عني وتموتون في خطيئتكم – إلى حيث أذهب لا تستطيعون المجيء – لأنكم من تحت وأنا من فوق» (إنجيل يوحنا الفصل الثامن). من هنا نعلم «وليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا إلا اليهود».
هنيئاً لَك أيها الشهيد، ما جئت لأرثيك، بل لأفخر بك أيها الصنديد – أيها البطل فؤاد صالح – صقر المقاومة الوطنية. عمرك عشرون – عمر الورود، عمر الشموع، هنيئاً للجنوب الصامد ولبلدة الصرفند التي احتضنتك في أحشائها، لأنك البار لشعبك ووطنك… ولقد قمت بعدة عمليات زلزلت عظام العدو في كيانه، هذه رسالتك سأتلوها على الملأ، قبل الشهادة:
أعزائي:
تحياتي، هذا قدري، لقد أردت الشهادة… لا أخاف من نزيف الدم والموت، لأنني آمنت بالوطن، وسأحيا مع الربيع الذي سيُفرح الأجيال… وأنا أعلم الطريق هي عطاء الدم العزيز… لنصل إلى الحرية التي أنشدها شعبي واستنجدت بها تربتي… إني أشمّ رائحة الشهداء العطرة التي ستطهّر أرضي من الدنس والكفر… لأطير مع الأرواح الطاهرة التي مثلت تلك الأمم الحية التي تحرّرت من مذلّة الأشرار وعبودية التاريخ..
إنّ الدماء التي تجري في عروقي هي أمانة للأمة متى طلبتها وجدتها – وداعاً يا أهلي وأحبابي وأصدقائي… ويا رفقائي لقد أدّيت الواجب وسأردّ الوديعة… وشكراً.
ودمتم للحق والجهاد
فؤاد صالح
من أمثالك يا فؤاد، ستُردّ الكرامة وتعود الثقة… أيها الشهداء، يا مَن حملتم عنّا كل الآلام والمشاعر والتضحيات، لتنقذوا هذا الشرف. شلالات الدم تسقي التراب في بلادي لتُعاد إلينا الأرض والاعتبار..
هذا الجنوب سيقدّم أضخم الملاحم لقضية الفداء والتحرير، وسيكون العبرة لكرامات العرب..
هؤلاء الشهداء الذين انتصبوا مع نجوم السماء، وحاكوا ثياب الخلود.. فضيلة الشيخ راغب حرب، بلال فحص، يسار مروة، عاطف الدنف، نضال الحسنية، فؤاد صالح، حسن درويش… وقد حرّكوا الضمائر والجحافل المؤمنة لتحرير الوطن، حيث أننا ملاقون أعظم الانتصار لأعظم صبر في التاريخ.
من ميثاق الشرف، سوف نعلّم أبناءنا وأحفادنا وأجيالنا الإيمان والصراع والفداء وحب الشعب والوطن، وأننا سنفرض مقامنا على الوجود، ونعمل منهم جماعة قتال وحرب، سوف نترك الدماء تسيل كالسيل إلى مصبّ الأنهار… حين نذكر هذا القول: «لا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل»، سوف نجعل الشمس تشرق والأرض تنبت والبحر يمخر.. والإنسان ينشد والحرية ترفرف على كل قمة من قممنا التي واجهت كل العواصف والأرياح..
هذا هو الأمل الذي يدخل قلوبنا وعقولنا وإرادتنا لنحرر البلاد من الصهيونية وقد أخذنا القرار بطردها ودحرها من جبالنا إلى الأبد.
تحية الطفل… تحية الأم… تحية الشيخ… تحية الأمة إلى أعظم حركة في التاريخ، إلى معجزة البوادر… إلى المقاومة الوطنية التي ستغيّر وجه الأحداث، وتسير بنا إلى النصر الأكيد.
هوامش:
كنت سمعت الكثير عن الرفيق الشهيد من حضرة الأمين أنيس جمال. ندعو شقيقيه الأمينين قاسم وعباس صالح إلى أن يكتبا ما يفيد سيرة ومسيرة الرفيق الشهيد فؤاد، وقد عرفت عنه انه كان مميّزاً في التزامه، وفي تفانيه حتى الشهادة.