مرض إعلانات الفضائيّات المصريّة بين المنشّط الجنسيّ وتصليح الغسالات وتخفيف الوزن… توصل إلى التوحّد الاجتماعيّ!
} جهاد أيوب*
تحتل إعلانات التقوية الجنسية أو المنشط الجنسي عند الذكور، وأدوية الرجيم، وقتل الحشرات، وتصليح الغسالات، والتبصير المرتبة الأولى في الإعلانات المصرية، وذلك في السنوات العشر الأخيرة من وجود الفضائيات المصرية، وتكاد لا توجد فضائية مصرية تستطيع تخطي هذه النوعية من الإعلانات أو الانفلات منها!
نتابع بشغف غالبية المحطات المصرية لأسباب كثيرة، أولها هي بعيدة عن الكورونا، وكأن هذه الجرثومة لا يعرفونها، ولم تصلهم، أيضاً لا تهتمّ كثيراً بالأخبار السياسية والنقّ!
وثانياً كلبناني وكعربي، القنوات المصرية تفتخر بمصريّتها جداً جداً على عكس ما لدينا من براكين الحقد التي تصيب كل الوطن بمن حمل، وتزوير للحقائق في غالبية الفضائيات اللبنانية والعربية، لا بل نجد لدينا كماً كبيراً من قتل الذات، وتجريم اللغة والصورة ضد مَن يعيش معك، وأصبحت فضائياتنا اللبنانية مدمنة على الحقد الدامي، وتأليف ما يشوّه الإنسان ومرايا ذواتنا المتآمرة!
ثالثاً غالبية الفضائيات المصرية والتي تصل إلى أكثر من 150 أو 200 قناة وليست كلها تهتم بالذاكرة الثقافيّة والفنيّة، ولم يعد لديها مشكلة مع شخصيات الماضي السياسي من حكام مصر، لا بل تعرض السير الذاتية خارج عقدة الحاكم الحالي، وتعرض أغنيات شخصية تمتدحهم لكبار المطربين، وتتغزل بهم من الملك فاروق إلى جمال عبد الناصر وانور السادات وحسني مبارك من دون أي حذف… والأهم الاهتمام بالقديم الذي أسس، وشكل شراكة عربية، ويزرع ثقافة وقيمة نلتقي عبرها مع شخصيات فنية وإعلامية وأدبية قرأنا لها ولم نتعرّف إليها إلا من خلال الصورة والكتب، نلتقي بالصوت والصورة في برامج حوارية نادرة ولا نلتفت إلى طريقة وأسلوب التقديم، نلتقي باندهاش مع توفيق الحكيم، وطه حسين، وإحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي، ويوسف إدريس، ونجيب محفوظ، ومحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وفريد الأطرش، وصباح، وشادية، وعبد الحليم، وكمال الطويل، ومحمد الموجي، وبليغ حمدي، وكمال الشيخ، وهنري بركات، وسعيد مرزوق، وفاتن حمامة، وأمينة رزق، وعبد المنعم مدبولي، وفؤاد المهندس، وسهرة نادرة تُعاد دائماً مع بدايات فيروز والأخوين رحباني، ومشاهير مَن كان يعلق على الرياضة الشعبية «كرة القدم» نذكر حمادة إمام، ومحمد لطيف، وعلي زيوار… وأسماء بالفن التشكيلي، وبدايات الصحافة، والاقتصاد والطب… (تتطلّب وقفة خاصة).
} الأسوأ
وأسوأ ما تعرضه الفضائيات المصرية تلك الحوارات السياسية المعلبة والفارغة من أي قيمة اجتماعية، ولا تعنى بمستقبل مصر وأهلها… وأيضاً الأسوأ تلك البرامج الخاصة بمذيع يحترف الثرثرة وتقليب الشارع المصري على الدول العربية… هذا النوع من برامج الثرثرات الخاصة بجهاز المخابرات نجد وبأقل من دقيقة يغير مذيعها كلامه، ويحوّله دون تردد من أسود إلى أبيض، لذلك لا تجد متابعة جادة في الشارع المصري. وهذه الثرثرات كثيرة ومكشوفة، والأجمل حينما يعصّب الثرثار! وأسوأ ما تعرضه الفضائيات المصرية طريقة تقديم الإعلانات، أو طريقة تقديم المسلسل والبرنامج داخل الإعلان، ونوعية الإعلانات التي نجدها موزعة على الغالبية، وهنا بيت القصيد والمقصود من هذه الكتابة!
اعترف أنني على الصعيد الشخصي، وبعد الهروب من القنوات اللبنانية المتناحرة بينها حقداً، والمتناثرة في مفهوم الحرية والإعلام، ولأسباب كثيرة أهمها عدم اهتمامها بالوطن، ولعدم الإصابة بالأمراض النفسية والعضوية التي تسببها أصبحت متابعاً على مشاهدة القنوات المصرية خاصة المعنية بالماضي، وببعض القنوات الأجنبيّة التي تعرض الأفلام الهوليودية.
} الإعلانات
تحتلّ الإعلانات في الفضائيات المصرية المساحة الأكبر ولا تهم الجودة الفنية أو نوعية ما يعرض، وبصراحة توجد إعلانات دون المستوى، ومخجلة على أكثر من صعيد!
مخجلة في الصناعة الفنية المبنية على الرخص الفني والخفّة في التنفيذ، ولا تليق بفن الإعلان بالمطلق، ولا يجوز عرضها احتراماً للذوق العام ونحن نعيش في هذا الزمن!
وبالطبع هذا يعود إلى مستوى الفضائيّة التي تسمح بعرض نوعية كهذه من الإعلانات!
وبسبب إعادة الإعلان ذاته خلال مشاهدة حلقة من مسلسل أو أحد الأفلام القديمة «أبيض وأسود» نُصاب بملل لا يوصف، ولكثرة تكراره نغني مع الإعلان، اقصد حلقة واحدة من المسلسل 40 أو 45 دقيقة يُعرض خلالها 30 أو 35 دقيقة إعلانات، وأحياناً تختزل الحلقة بـ 15 دقيقة من دون احترام لأحداث العمل ولصالح مساحة الإعلان، وكذلك يحدث خلال عرض الفيلم المصري حيث يعرض ساعة إعلانات على حساب 30 دقيقة من الفيلم الذي كان بالأصل ساعتين، وإذا تضمن أغنية تُحذف من دون أي رقيب ومسؤولية!
هذا الأسلوب في طريقة سيطرة الإعلان على الشاشة وخلال عرض حلقة من مسلسل أو عرض الفيلم يعني صناعة «التوحّد الاجتماعي» عند المتلقي، ومع الوقت إذا استمر هذا النمط في الخطاب الإعلامي يزرع في المشاهد الخمول، ويصيبه بمرض الصبر السلبيّ الذي لا يوصل إلى انتفاضة على الذات لتغيير الحياة النمطية، وتبقي ما هو على حاله!
هذه الطريقة في العرض الإعلانيّ داخل العمل الفني المتابع تجعل المشاهد يُصاب بالكسل، ويعيش الانتظار من دون عمل، وبحجة «الله يرزق والله ما يريد» ناسياً «إسعى يا عبدي حتى إسعى معك»!!
هذا النمط يُكثر من الرغي، وحشو الوقت بأي شيء كي يكمل متابعة أحداث الحلقة أو الفيلم… وضاع الوقت يا عمري!
} النوعيّة!
النوعيّة المنتشرة من الإعلانات في الفضاء المصري هي المعنية بمكنة الانتصاب الأميركية للرجال، وتبارك الجهاز السحري للرجال، والعسل الملكي للذكور، وAPLEX لتخفيف الوزن «وإن كنت راجل كل» ومنفذة بسذاجة مضحكة واستغباء للناس، المركز الإيطالي لتصليح الثلاجات، إعلانات تفسير الأحلام والتنجيم، وطيبة للسمعيّات، المجموعة الألمانية للحشرات، والمجموعة الإيطالية لقتل الحشرات خاصة الصراصير، ولمبة VENUS، والبرهان لزيت الشعر، وجل للشعر، وماربيلا علكة، و»توكتوك» بيادجو الإيطالي – الطلياني، ورودس الجبنة، و»لي مورال» يشفي كل الأوجاع، وSIX PACKS للرجال، والمدرسة الأوكرانية!
أما ما هو مؤسف فتلك المساحة الواسعة من عرض الناس الفقيرة التي تبكي وتصرخ طالبة مساعدة من أجل الطبابة، وتصوير أحياء ومناطق بدائية محرومة من كل الخدمات المعاصرة، وأحياء وسخة لا طرقات مزفتة فيها، ولا خدمات صحيّة، ومنازلها تحتاج إلى منازل، ومساجدها فقيرة مصنوعة من الطين وأرضها لا تصلح للصلاة، وتعرض من أجل أن يرسل مَن معه المال لتعميرها، يعني «شحادة» بطريقة مخجلة!
هذه المساحة لا تليق بمصر، ولا يجب أن تُعرض بهذه الطريقة، لا بل تسيء إلى الدولة المصرية بكل مرافقها، وتضرّ بالمواطن المصري في الداخل والخارج، والأخطر أنها تضرب السياحة المصرية… هذه المشاهد تعرض طيلة 24 ساعة عبر شاشات معينة همها هذا النوع من الشحادة!
باختصار ما يُعرض من إعلانات عبر غالبية وليس كل الفضائيات المصرية يتطلب قراءة متأنية من أهل السياسة وأهل الاختصاص الاجتماعي، ومن قبل المعنيين بسمعة المحروسة، وبإعادة كيفية تقديم الإعلان خلال عرض الأعمال الفنية كما هو حاصل بالفضائيات غير المصرية!
*ناقد ومقدم برامج وإعلامي.