بغيرِ ريح
تتحرك أوراق الذاكرة
تتطاير عالياً..
تهبّ بشدة.. تلتفّ حول عنقي بقوة
حتى تكاد تخنقني..
أذكر أني كنستها بحرصٍ ذات مساء
أصرّيت يومها أن أمحو آثارها تماماً
أقتلع المتبقي منها بيدي..
بأسناني إن لزم واحدةً تلو الأخرى..
حرصٍ استفزّ جارتي الفضوليّة
فسألتني عما سأفعله بأكوام الذاكرة المتكدسة هناك؟؟
أتجاهلها بابتسامة مقتضبة
وأنا أعقد الكيس الأسود وأجرّه خلفي برفق
حتى مدخل الغابة المطلّ على حديقتي الخلفية
أتركه هناك وحيداً في الظلمة
حيث ما من شياطين ولا شعر ولا حتى كوابيس
لتهزه من جديد..
أعود لأرتمي على سريري من جديد
أحدّق مطولاً بالسقف..
عادة مخيفة ورثتها عن أمي
فما من أحدٍ منا كان يعلم حقاً متى
يرتمي السقف بثقله على جثث أحلامنا..
بغير ريح
أراقص ظلاً من غياب وأطرق بحذائي المخملي عالياً
كما اعتاد شبح الوهم الرقص
بقدميه الكبيرتين في جمجمتي..
تخبرني صديقتي أن الوهم مخيف مخيفٌ جداً
فهو يلوكنا بأسنانه بشراهة
ويرمي بالقليل المتبقي منا بلا رحمة..
لم يترك لي الكثير حقاً..!!
أضحك قليلاً
ثم أعاود الرقص
فقط مجرد قبلة
تركها فوق شامةٍ كانت تعوم بهدوءٍ
على خاصرتي اليسرى
قبل أن يغزوها بشفتيه
وتحوّلها قبلته لندبةٍ عصية..
أذكر أنني حاولت محوها بعد ذلك بقسوة
حككتها بأظافري
استخدمت أداةً حادةً كتلك التي
يستخدمونها لإزالة وشمٍ معقدِ التفاصيل
لم أنجح طبعاً !!
أضحك مجدداً
أتحسس مكانها للتأكد وأعاود رقصتي المجنونة..
كان مستعجلاً يومها أذكر تماماً
لم يكن يتوقف مطولاً كالسابق عند ملامحي
ويرتجف تحديداً عند عيني!!
بل كان يحاوطني بقوة بين ذراعيه
كطفلٍ يسارع لفتح هدية عيد الميلاد
فيمزق أوراقها بغير رحمة
بفضول وحشيّ يمزقها..
يمزقها..
يمزقها بغيابٍ وحشيّ..
ترى من تحرّش بأكوام ظلمتي؟؟
أتساءل!!
ألمح من شباك المطبخ المطل على الحديقة
عصفورين افترشا ذاكرتي على سطح الغابة
بقدميهما الصغيرتين يتزاحمان على أوراقي
يتعانقان يصرخان يرقصان..
غير مباليين حقاً بحزني
وبصخبٍ عنيفٍ كوجهه
يبنيان منها كوناً جديداً
كونأ فسيحاً
فسيحاً جداً بحجم ندبتي
ريم بندك