الشُّعراءُ التمُّوزيُّون ومصادرُ أسطورتهم
} عبد المجيد زراقط
نتحدَّث، في «حديث السَّبت»، المفترَض أن يكون أسبوعيَّاً، الى مَن تعنيهم شؤون الأدب ونقده، خصوصاً الطلَّاب الذين يتابعون التعلُّم عن بُعد، لعلَّ هذا الحديث يُريحهم من الكلام الطويل الذي يتلقَّونه من وسائل الإعلام والتواصل، على فاسدي هذا الوطن الحبيب الجميل وما فعلوه به وبنا، إضافة الى أن ما يذهب اليه هذا الحديث مطروح للتَّداول، وتبادل الرَّأي، ما يجعل هذا الحيِّز المتاح لنا مجالاً للحوار في شؤوننا الأدبية والنقدية .
عرفت حركة الشعر العربي الحديث ظاهرة العودة الى الأساطير القديمة، ومنها الأساطير السورية، واستخدامها في النصوص الشعريّة. وأكثر بعض الشعراء من استخدام أسطورة «تموز»، فأطلق عليهم اسم «الشعراء التموزيين».
تعددت الاَراء في تفسير هذه العودة، وفي تحديد مصادر تلك الأسطورة. ويمكن تصنيف هذه الاَراء في اتجاهين عامّين:
يعيد الاتجاه الأول هذه الظاهرة الى الاتصال بالثقافة الغربية، خصوصاً بشعر ت. س. ايليوت، والجزء المترجم من موسوعة «الغصن الذهبي» لجيمس فريزر .
يرى أسعد رزُّوق، في كتابه «الأسطورة في الشعر العربي المعاصر»، الصادر عام 1959، أن «الشعراء التموزيين»، وهو أول من أطلق هذه التسمية عليهم، تأثروا بشعر ت. س. ايليوت، وبخاصة بقصيدته «الأرض الخراب». ويوافقه كثيرون الرأي، ومنهم عبدالحميد جيدة، كما جاء في كتابه «في الشعر العربي المعاصر»، وخالدة سعيد وسلمى خضراء الجيوسي .
غير أن خالدة سعيد ميّزت بين استخدام ايليوت للأسطورة واستخدام «الشعراء التموزيين» لها، فرأت أن شعر ايليوت يمثل فراغ الحضارة الغربية، حضارة العلم والصناعة، في حين يمثل شعر شعرائنا فراغ حياتنا البعيدة عن العلم، الغارقة في الخمول والأحلام الخرافيّة .
أما الجيوسي فترى أن شعراءنا استخدموا الأسطورة ليعبروا عن قحط الحياة العربية بعد نكبة 1948.
ويعيد جبرا ابراهيم جبرا هذا الاستخدام الى التأثر بترجمته لـ»أدونيس أو تموز»، عام 1957، وهو أحد أجزاء موسوعة «الغصن الذهبي» لجيمس فريزر .
يعيد الاتجاه الثاني هذا الاستخدام الى الواقع المحلي وتطوّره، فيتحدث أدونيس عن تأثير يتمثل في دعوة أنطون سعاده شعراء سورية إلى العودة الى أساطيرها، واستخدام هذه الأساطير في إنتاجهم الشعري، ما يعني أن ظاهرة استخدام الأساطير في الشعر العربي الحديث كانت عودة الى «أساطير سورية» بدعوة من أنطون سعاده، تنتظم في سياق مشروعه النهضوي، وليس في فضاء الجدب والقحط.. الذي تشكله قصائد مثل «الأرض الخراب» لأيليوت.
يقول أدونيس، في صدد الجدل الذي دار، عام 1957، في شأن إفادته من قصيدة خليل حاوي: «ليس بين قصيدتي وقصيدة خليل حاوي أي التقاء؛ ذلك أن القصيدتين تنبعان من مصادر واحدة، أطلقها، في بلادنا، عقائدياً أنطون سعاده، وحققها، من ناحية استخدام الشعر لها شعراء في الغرب، قبل خليل حاوي وقبلي، فليست مجهولة دعوة أنطون سعاده شعراء بلاده للعودة الى أساطيرها، واستخدامها في نتاجهم؛ وذلك في كتابه «الصراع الفكري في الأدب السوري» (مراجعة: أدونيس، مجلة المجلة، أيلول، 1957) .
ومما جاء في دعوة سعاده هذه :
« الى مقام الاَلهة السورية، يجب على الأدباء الواعين أن يحجّوا ويسيحوا، فيعودوا من سياحاتهم حاملين الينا أدباً يكشف حقيقتنا…».
وهذه الحقيقة تتمثل في فضاء الانبعاث التموزيّ، وليس في فضاء الجدب الذي تخلقه «الأرض الخراب».
ويؤكد أدونيس، بعد مرور سنوات طويلة على ما ذهب اليه في ذلك العام، (في سنة 1984، الكفاح العربي، العدد 301، تاريخ 16 / 4 / 1984/ ص. 51) أن كتاب «الصراع الفكري في الأدب السوري»، «كان صاحب الأثر الأول في أفكاري، وفي توجّهي الشعري… وأثر تأثيراً كبيراً في جيل كامل من الشعراء، بدءاً من سعيد عقل وصلاح لبكي ويوسف الخال وفؤاد سليمان، وانتهاء بخليل حاوي …»
ويضيف أدونيس: «وكان، إضافة الى ذلك، ملهماً لكثير من الأفكار والاَراء الشعريّة والنقديّة الذي دار حول مجلة شعر والمشكلات التي أثارتها» .
إن يكن لسعاده هذا الدور في أفكار مجلة شعر واَرائها الشعرية والنقدية، فحديثنا المقبل سيكون عن المشترك والمختلف، بينه وبينها في الرؤية الى كثير من القضايا.