الوطن

عذراً سيدي الزهار!

} د. رمزي عودة*

تابعت باهتمام بالغ حديث الشيخ محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحركة حماس، خلال لقاء خاص مع تلفزيون «الغد»، والذي تناول موضوعة الانتخابات وإنهاء الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة المستمرّ منذ عام 2007. وقد أثيرت في هذه اللقاء الذي استمرّ نحو 50 دقيقة مجموعة من الأسئلة الهامة حول موقف حماس من الانتخابات، والقائمة المشتركة، والعضوية في منظمة التحرير، والإصلاحات القضائية الأخيرة التي صدرت بمرسوم من قبل رئيس السلطة الفلسطينية.

وبالرغم من أهمية هذه الأسئلة، الا أنّ إجابات الزهار كانت صادمة ومستغربة من رجل شغل منصب وزير الخارحية الفلسطينية، وله خبرة سياسية ونضالية واسعة. وفي سياق المحاولات المتكرّرة من قبله للتهرّب من الأسئلة واستخدام مصطلحات ركيكة وأحياناً غير دقيقة، فإنّ حديث الزهار لم يكن موفقاً بتاتاً، ولم يكن بوزن كادر قياديّ في حركة واسعة الانتشار كحركة حماس.

يمكن تلخيص أهمّ ما جاء في حديث الزهار أثناء اللقاء التلفزيوني بالآتي:

1 –      إنّ منظمة التحرير الفلسطينية لا تمثل الكلّ الفلسطيني والعضوية فيها اختيارية، وهي في المحصّلة لا تمثل سوى «الأقلية الفلسطينية، بينما حماس تمثل الأغلبية». كما أنّ المنظمة في داخلها مترهّلة والخلافات تدبّ بين فصائلها. وفي السياق، فإنّ هذه المنظمة مسؤولة عن التنازل عن فلسطين التاريخية وعن التنسيق الأمني، كما يدّعي الزهار.

2 –      إنّ حركة حماس لم تتفق الى الآن على عملية الانتخابات، حيث يجب التأني في اتخاذ القرار بالمشاركة.

3 –      إذا كان هنالك توافق على شخص الرئيس الفلسطيني محمود عباس كمرشح للفصائل الوطنية، فلماذا ندخل الانتخابات في الأساس، ولماذا نعطي هذه الأحقية لأيّ من كان؟

4 –      يجب أن تشكل لجنة قانونية تضمّ الفصائل الوطنية والمستشارين القانونيين، يتمّ تأطير قانون عام للانتخابات ومراحل متفق عليها، وإجراءات قانونية موحدة وغير منحازة، ومن ثم تأصيل العملية قانونياً قبل الخوض بالانتخابات.

5 –      لا يمكن الدخول في قائمة مشتركة بسبب اختلاف البرامج الأساسية لكلتا الحركتين. وبالضرورة، فعلى حركة فتح أن تتوافق على برنامج حركة حماس الذي يقوم على أسس عدة أهمّها حق الإنسان الفلسطيني أينما وجد بالانتخاب، والتوافق على فلسطين التاريخية كهدف للعملية النضالية. وأخيراً، العقيدة الدينية كأساس للعملية النضالية الجهادية.

6 –      إنّ الاصلاحات القضائية التي صدرت كمرسوم بقانون ليست دستورية، لأنّ المحكمة الدستورية أصلاً غير دستورية والسلطة التنفيذية أيضاً كذلك.

من الواضح أنّ مثل هذه التصريحات «النارية» مخالفة لرسالة السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والتي أعرب فيها عن موافقة حركة حماس على الدخول في العملية الانتخابية. وفي الوقت الذي تهرّب الزهار من سؤال حول إذا ما كانت هنالك خلافات داخل حركة حماس بشأن هذا المواضيع الخلافيّة، فإنه من الواضح أنّ موقف الزهار يتعارض مع موقف هنية في موضوعة الانتخابات وعضوية منظمة التحرير، كما أنه من الواضح أنّ تيار الزهار في حركة حماس، وهو تيار ليس بضعيف، سيمثل عقبة أساسيّة في المضيّ قدُماً في اجتماع القاهرة الشهر المقبل بين فصائل العمل الوطني الفلسطيني.

والذي يبدو غريباً في تصريحات الزهار أنه ما زال الى الآن حانقاً على حركة فتح، وماضياً في تحقيره أعمال السلطة الوطنية الفلسطينية، ومحمّلاً إياها مسؤولية الانقسام وتراجع العملية السياسية. ومن جانب آخر، فإنّ الشروط التي وضعها الزهار لبدء عملية الانتخابات هي شروط شبه تعجيزية، ولا يمكن أن تكون شروطاً قابلة للتحقيق وخاصة تلك المرتبطة بإجراء الانتخابات في القدس الغربية، أو إجرائها أيضاً حيثما وجد الفلسطيني في الأردن وسورية ولبنان وغيرها من دول العالم، وهو يعرف تماماً استحالة إجراء هذه الانتخابات في هذه البلدان سواء بسبب الحساسية السياسية أو بسبب الحروب الأهلية. من جانب ثالث، فإنّ إصرار الزهار على التشكيك بجدية السلطة الوطنية في إجراء الانتخابات، أو لنقل إجراء انتخابات على طريقتها الخاصة، من شأنه أن يعزز أجواء عدم الثقة بين الطرفين، ولن يكون داعماً بأيّ شكل لإجراء الانتخابات.

في المحصلة، إذا أرادت حركة حماس أن تمضي قدماً في عملية الانتخابات، فعليها أن تتخلص أولاً من «أزلام» الانقلاب ومحرّضيه، وعليها أن تدرك أنّ وجود تيار متشدّد بين صفوفها يضع العراقيل أمام توافقية الفصائل لإجراء الانتخابات، ويتغذّى من أحقاده على القيادة السياسية ليصل الى مرحلة نكران تمثيلية منظمة التحرير الفلسطينية، لن يكون مفيداً لأيّ مصالحة حقيقية بين فتح وحماس، وسيكون وجود هذا التيار معيقاً لحماس قبل أن يعيق عملية الانتخابات نفسها. وكنتيجة مهمة، فإنّ تصريحات الشيخ الزهار تأتي في سياق التحريض والعرقلة أكثر من كونها تصريحات سياسية متسامحة مع الآخر، فعذراً يا سيدي الزهار، ما هكذا يقول المؤمنون في المصالحة، ولا حديث كهذا ينشر التسامح ويعزز التوافقية.

*باحث ومحاضر جامعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى