أهوية فاسدة تفتح الملفات
بشارة مرهج*
هل سألنا أنفسنا لماذا ازداد عدد الفقراء في لبنان بصورة فلكيّة حتى أصبحوا يشكلون نسبة 60 في المئة من مجموع اللبنانيين!؟ الجواب بسيط: لأنّ طبقة الواحد في المئة (تحالف رأس المال + المصارف + أركان النظام الطائفي) هي التي استحوذت على أموال اللبنانيّين – مقيمين ومغتربين ومعهم عدد من المودعين العرب – فأفقرتهم وشرّدتهم وأذلتهم إما بالهندسات المالية السيّئة الصيت، أو بالصفقات المشبوهة في القطاع العام، أو بالتعيينات الساقطة، أو من خلال السرقة المباشرة، أو من خلال الاحتكار المحميّ في قطاعات الدواء والغذاء والمحروقات وإلى ما هنالك من قطاعات تسرح وتمرح داخل الاقتصاد اللبناني الذي يسمّونه حراً وتنافسياً.
والأدهى من ذلك أنّ نسبة الستين بالمئة، التي نستفظعها اليوم، هي مرشحة للازدياد في الغد بهمة المسؤولين الذين يفككون مؤسسات الدولة ويرفضون الإصلاح ويتهرّبون من إعادة الأموال المنهوبة ويتنصّلون من المحاسبة أو كشف حساباتهم، كما ينبغي على كلّ مسؤول في الدولة أن يفعل إذا كان واثقاً من إدائه وشفافاً في ما يتعلق بمداخيله وثروته.
أما المجتمع اللبناني، وجوداً ومصيراً، أما سمعة لبنان تجاه نفسه والعالم، أما احترام لبنان لعهوده تجاه المؤسسات الدولية والدول العربية والأجنبية التي تحاول مدّ يد المساعدة له، فكلها أمور ثانوية لدى هذه «الزعامات» التي لا يهمّها شيء سوى الاستمرار في التحكم بمقدّرات البلاد وكسر إرادة الناس وحرمانها من آخر قرش في جيوبها حتى تأتي صاغرة إلى البلاط تطلب السماح والغفران لرفعها الأصوات ذات يوم مندّدة بالظلم والنهب والقمع.
وإذا كانت هذه الطبقة الحاكمة قد نجحت في مساندة الاحتكار ونشر ألوية الفقر وهتك حرمة المال العام وسرقة الودائع والأمانات وعرقلة التحقيقات الجنائية خاصة في المرفأ والبنك المركزي، وإذا كانت قد تفوّقت في حرمان الناس من اللقاحات وإضعاف الثقة بالبلاد وإدامة السجالات السياسية البائسة حول الحكومة ومستقبل النظام وجنس الملائكة فإنّ هذه «الإنجازات» لا تشرّفها بل تدينها وتدمغ مرحلتها بعناوين الفشل والنفاق والتخاذل.
لقد أفلست هذه الطبقة تماماً ولم يعد بإمكانها إلا الرحيل أو زيادة البلاء على البلاد وأهلها، وربما على بلدان أخرى بدأت الأهوية الفاسدة المقبلة من لبنان تلفحها وتلزمها فتح أدراجها المتخمة بأسرار وملفات ومعلومات يشيب لها الولدان.
*نائب ووزير سابق.