أخيرة

«نحنُ أمةٌ عظيمة» بالـ..د..م …قـ..را…طـ… ية! »

} آمنة بدر الدين الحلبيّ

حبسَ العالم الديمقراطي أنفاسه يوم تنصيب رئيس البيت الأبيض (جو بايدن) ليكون الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، بعد أن تحوّلت العاصمة واشنطن إلى ثُكنة عسكرية ريثما يمرّ ذاك اليوم بسلام، وأُغلقت كلّ الاتجاهات المؤدّية للمقرّ المُعدّ للتنصيب الرئاسي في العاصمة واشنطن. تنصيبٌ لم يسبق مثيله في العالم من حيث عدد الجنود المكلفين بحماية المهمة. حيث أقلّته سيارة ليموزين وسط موكب عسكري خلف فرقة عسكرية، واجتاز الرئيس الديمقراطي الأمتار الأخيرة سيراً على الأقدام محاطاً بزوجته «جيل» وبقية عائلته.

وما إن وصل اعتلى المنصة الرئاسيّة ليلقي كلمته المنمَّقة بالأخلاق، والمدعومة بالبحث عن الحق، شعرتُ أنني أمام رجل دين من طرازٍ رفيع، والكلام المعسول في الحب والتسامح، وتحقيق العدالة الاجتماعيّة، والاهتمام بالأطفال بعيداً عن العنصرية المقيتة من أجل مستقبل مزدهرٍ للأمة الأميركية العظيمة التي أصبحت في مواجهة مريرة مع العالم نتيجة حتمية لحكم الإمبراطور ترامب في رأيه، قائلاً بفخر:

نحن أمة عظيمة بالديمقراطية والعدل والتسامح متناسياً الهجوم النووي الذي شنّته الولايات المتحدة ضدّ الإمبراطورية اليابانية على هيروشيما وناغازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية في 6 أغسطس/ آب 1945 لأنها لم تستسلم لتلك الأمة العظيمة، فأصدر آنذاك الرئيس هاري ترومان الأمر التنفيذي باستخدام القنبلة الذرية لأول مرة في تاريخ الحروب.

وكانت النتيجة 140,000 شهيد في هيروشيما، و80.000 في ناغازاكي بحلول نهاية سنة 1945، حيث مات نصفهم متأثرين بالجروح أو بسبب آثار الحروق، والصدمات، والحروق الإشعاعيّة، يضاعفها الأمراض، وسوء التغذية والتسمّم الإشعاعي.

نحن أمة عظيمة بالـ..د..مقـ..راطـية لأنّ رئيس الولايات المتحدة السابق ليندون جونسون في الرابع من أغسطس/ آب 1964 أعلن أنّ المدمّرتين الأميركيتين «مادوس» و»سي تيرنر» قد تعرّضتا لهجوم مُعاد في خليج تونكين قبالة سواحل فيتنام الشمالية، وليس له صحة بالأساس، فطلب جونسون من الكونغرس منحه السلطة لصدّ الهجوم المسلح على القوات الأميركية ومنع المزيد من العدوان، لتدخل الولايات المتحدة في حربٍ قذرة والتي خلّفت أعداداً هائلة من الضحايا المدنيين الفيتناميين منها الاغتيالات، والمذابح، والمناورات الإرهابية، حتى وصل عدد الضحايا الفيتناميين المدنيين إلى نحو 365,000 قتيل، حيث تمّ استهداف المدنيين بشكل متعمّد. ومن أبرز تلك الأحداث مذبحة هوي ومذبحة ماي لاي.

نحن أمة عظيمة بالـ..د..مقـ..راطـية لأننا استطعنا حماية أميركا من الإرهاب الأفغانيّ والتي تُعتبر هي الحرب الأطول في تاريخ الولايات المتحدة وهدفها السيطرة على الدولة الأفغانيّة ونهب ثرواتها وخيراتها برغباتٍ ظاهرها الثأر لضحايا هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وباطنها مآرب أخرى، والتي قادها الرئيس بوش الابن المجرم تحت دعاوى الحرية والديمقراطية؛ والقضاء على الإرهابيين وجلب الأمن والاستقرار لأفغانستان. وسقط ما يقارب 1300 إلى 8000 أفغاني قُتلوا مباشرة بسبب القصف، فيما بلغ تعداد مَن قُتلوا بشكلٍ غير مباشر 50 ألف شخص، والقائمة تطول.

نحن أمة عظيمة بالـ..د..مقـ..راطـية لأنّ الرئيس بوش الابن شنّ حرباً لا مثيل لها على العراق في العشرين من آذار/ مارس عام 2003 التي بدأت بالكذب وآلت إلى الهاوية والفوضى الخلاقة كما ادّعت كوندي ذات القدّ الميّاس برئاسة بوش الابن.

تلك الحرب اللعينة جاءت بعد حصار طويل أنهك العراق وشعب العراق «النفط مقابل الغذاء». كانت وما زالت حرباً أبشع من حرب البسوس بُنيت على كذبة لانتشار «الفوضى الخلاقة» والتي خلّفت في 2003 ضحايا يتراوح عددها بين 150 ألف ونصف مليون شهيد من الشعب العراقي حتى أنّ بعض الأبحاث الجادة تحدّثت عن أرقام أعلى بكثير من هذه الأرقام، إذ سجّلت المجلة الطبية الأقدم والأشهر في العالم «لانسيت» في عام 2006 عدد وفيات إضافية تجاوز الـ 650 ألف حالة وفاة. وذلك بالإضافة إلى ضحايا العنف المستمر، ومن ثمَّ ضحايا عواقب البنية التحتية المدمّرة ونظام الرعاية الصحّي المتهالك في البلاد.

 واستمرّ مسلسل القتل والتدمير إلى يومنا هذا وآخرها تفجيرين مزدوجين انتحاريين وقعا في منطقة الباب الشرقي قرب ساحة الطيران بوسط العاصمة العراقيّة بغداد قُتل ما لا يقلّ عن 32 شخصاً وأصيب 110 أشخاص على الأقلّ، ماعدا الحرب التي خلّفت شباباً من ذوي الاحتياجات الخاصة.

نحن أمة عظيمة بالـ..د..مقـ..راطـية لأننا سعينا إلى «شرق أوسط جديد» تحت عنوان «الربيع العربي» والذي أرخى بظلاله على العالم العربي قتلاً وتدميراً وتهجيراً وضياعاً وكان ربيعاً أسود حالك الظلمة شرّد شعوب المنطقة، ودمّر بيوتها، وتركها على قارعة الطريق، ينهشُ الصقيع أجساد أطفالها، ويعضُّ الجوع معدهم، حفاة عراة.

نحن أمة عظيمة بالـ..د..مقـ..راطـية لأننا جعلنا سورية كرةً من نار خلال عشرٍ عجاف، تحت ذريعة نشر الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لكن كان الهدف لطمس معالم سورية العظيمة مهد الحضارات وبلد الشمس، وسرقة ثرواتها من نفط وغاز وغذاء وآثار.

نحن أمة عظيمة بالـ..د..مقـ..راطـية لأننا قتلنا وشرّدنا نصف الشعب السوري وأكلنا أكبادهم، وصلبناهم، وقطعنا رؤوسهم لينصاعوا لأوامرنا، وشتتنا عائلاتهم وجعلنا البحر مقبرتهم، وفرّقناهم شيَعاً وقبائل في البر والبحر، ومسلسل الدماء ما زال مستمراً بين قتل وتدمير وتفجير، في كلّ محافظة آخرها في مدينة حماة الصامدة كان ضحية الهجوم استشهاد عائلة بأكملها.

 نحن أمة عظيمة بالـ..د..مقـ..راطـيةلأننا فرضنا عليهم «قانون قيصر» الذي زاد من آلامهم وقتل أحلامهم وتجويع أطفالهم، ومنع عنهم الغذاء والدواء، لينصاعوا لأوامرنا.

نسي صاحب الجلالة الاجتماعية أننا أبناء الشمس لم ولن نموت لأننا مؤمنون بعدالة السماء ولن يستمرّ هذا الحال طالما أرضنا ولّادة للأبطال الذين يدافعون عنها بشجاعة غير آبهين للموت من أجل الوطن.

نسي صاحب الـد..مقـ..راطـية أننا أبناء الشمس لا نحني رؤوسنا إلاّ للواحد الأحد حتى لو قُطعتْ رقابنا، نموت كما تموت الأشجار واقفة.

مهما أرسلتم طائراتكم، وصواريخكم، وسلحتم غلمانكم لن ننحني ولن ننصاع لأوامركم فنحن لا نريد ديمقراطيتكم المغمّسة بدماء أبنائنا، والمعجونة بأشلاء أجسادهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى