أيها السياسيون… عيونكم على الوطن والشعب أم على مواقعكم السلطوية وطموحاتكم؟
} علي بدر الدين
رفعت المنظومة السياسية والمالية والسلطوية الحاكمة الستار عن أهدافها، وانكشف مستور غاياتها وما تخطط له، وقد حان وقت إظهارها إلى العلن، لأنّ ألاعيبها وتحايلها ومناوراتها وممارساتها ومغامراتها، باتت مكشوفة ومعروفة للقاصي والداني، داخلياً وخارجياً، وأنّ تلطيها وراء ادّعاءاتها بالحرص على الوطن والدولة والشعب لم تعد تنفعها، وأصبحت عبئاً ثقيلاً عليها، بعد أن فضح أمرها وعرفت مراميها، وقد «يفلت الملق من يديها» نتيجة تسارع التطورات الإقليمية والدولية، وتغيّر المناخات السياسية العالمية، وإعادة جدولة الأولويات والمصالح على أجنداتها في ظلّ عهد الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن، وما تسرّب من معلومات حول لبنان في الاتصال الهاتفي بين الرئيسين بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون، فضلاً عن المراسلة القضائية السويسرية في ما يتعلق بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتحويل وتهريب الأموال إلى المصارف السويسرية. هذا يعني أنّ الطبقة السياسية والمالية اللبنانية بدأت تفقد الغطاء والحماية الدوليين وإنْ كان ببطء وبالقطارة، ولكن لا يقلل من المؤشرات التي أخذت مساحتها وتأثيرها على الشارع اللبناني وفي الكواليس و»الصالونات» السياسية، والضغط الذي سيتركه مثول سلامة أمام القضاء السويسري، بعيداً عن أيّ تأويل أو تفسير أو جدية ومصداقية مثوله، ولكنه سيؤدي حكماً إلى اهتزاز فرائص مسؤولين آخرين يعرفون تماماً أنهم متورّطون في الفساد ونهب المال العام والخاص وتهريبه إلى مصارف خارجية، والسويسرية منها، لأنّ دورهم آت لا محالة، ولو بعد حين، ولأنّ «الثور الأبيض أكل يوم أكل الثور الأسود»، ولن تكون على رأس أحد خيمة تحميه أو تقيه من المثول والمساءلة والمحاكمة والمحاسبة، و «إنّ غداً لناظره قريب».
يبدو أنّ المنظومة السياسية الطموحة لا تعرف أن عقارب الساعة لا ترجع إلى الوراء، وأنها بسلوكها السياسي السلطوي الإلغائي لم يعد لها مكان في المستقبل السياسي، ولا في مواقع السلطة، وكلّ ما يجري اليوم في تناتشها وصراعاتها، وفي رفع منسوب خطابها الطائفي والاتهامي، ونشرها لغسيلها الوسخ المتبادل، لن يعيد لها اعتبارها ولا ثقة الشعب فيها، ولن يقبل باستغبائه والضحك عليه، واعتباره نكرة يتلقى فقط من دون أن يحرك ساكناً، أقله هكذا أظن وأعتقد حصوله بعد الكوارث والمآسي والأزمات والتفقير والتجويع والمرض الفتاك، التي جميعها حلت بهذا الشعب ولا يزال تحت وطأتها القاتلة، مع أنه ليس في الأفق القريب ما يوحي بانتهائها.
إنّ تكبير حجر تأليف الحكومة بهذا الشكل غير المألوف في تأليف الحكومات غير مسبوق، ليس فقط لناحية الوقت، بل لحجم التعقيدات والشروط والحصص ونوعية الحقائب وتصنيفها الملغوم، بل لأنّ أكثر من فريق سياسي «يقاتل» على أكثر من جبهة وموقع وفق قدرته وطموحه وانتمائه الطائفي والمذهبي والسياسي. ويحفظ عن ظهر قلب بعض كلمات أغنية الفنانة اللبنانية القديرة سميرة توفيق: «بس بدك تجي حارتنا يا عيوني وتتلفت حوالينا، عينك على جارتنا واللا عينك علينا»!
لا يخفى على أحد من اللبنانيين، أنّ تفاقم الصراع الدائر منذ ما قبل الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية من يكلف بتأليف الحكومة، وما تلاها من شكليات التأليف، كان متوقعاً له أن يتصاعد بين القوى السياسية أصالة أو بالوكالة، لأنّ الكلّ شركاء في الغنيمة، وله مصلحته، فالبعض يطمح إلى موقع رئاسة الجمهورية، والبعض الآخر إلى البقاء في رئاسة الحكومة، والنواب الحاليون يتفرّجون بشغف على تقاذف الإساءات والاتهامات بين أكثر من فريق سياسي وحزبي، لأنّ ذلك يتيح لهم طرح التمديد للمجلس النيابي، بذريعة تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية، بسبب ما تشهده ساحات لبنان من احتجاجات ستكبر لتتحوّل إلى كرة نار، وخوفاً من مخاطر كورونا وتداعياتها، والكلّ يحلم بالبقاء في موقعه خشية من حدوث فراغ في الدولة والمؤسسات والسلطات.
إنه العهر السياسي بعينه والنفاق والدجل، لأنّ الشعب في وجودكم يعاني من الفراغ الحقيقي، ومن الفقر والجوع والبطالة والمرض والقهر والذلّ والحرمان والإهمال. «روحوا خيّطوا بغير هالمسلة» ولترحلوا غير مأسوف عليكم، والله يصطفل فيكم. يقول الإمام علي عن الحكام:
«حق على الإمام، أيّ الحاكم المسؤول عن العباد، أن يحكم بالعدل، ويؤدي الأمانة. ولادة الجور شرار الأمة، ولا جور، أعظم من جور حاكم «. يسأل الشيخ القبيسي العاملي، أين هؤلاء من هذه المنظومة العلوية الحقوقية والإنسانية، إنهم في واد، وحقوق الناس في واد آخر، إنهم قوم أعمى الجشع قلوبهم قبل عيونهم، وقدّموا الخاص على العام، فما أجرأهم على الله وعباده.