والحبر أن الشعر لفي قهر!!..
طلال مرتضى*
سؤالٌ محيرٌ غالباً ما يدق جدار جمجمتي، ولأن هذا الخزان مكتظ بالمفارقات، فتواربني بعناد جحافل الأجوبة الدقيقة الحضور. لهذا، وبتلقائية حين عبر سريعاً هذا السؤال على شريط مخيلتي، هذّبت حواشيه بعناية مما علّق بأردانه من هفهفات الكلام ورميته على رصيف مروركم، عَلَّ البعض منكم تستوقفه إحدى إشاراته التي تومض على غير هدوء. فاتحة هذا السؤال ترمي بكامل ثقل ظلالها على كاهل المشتغلين في سلك الثقافة والأدب، هذا بغض النظر عن تجنيسهم المادي (ذكوراً أو أناثاً) بين قوسين، وبعيداً عن تصنيفهم في السياق العملي للثقافة عموماً والأدب خصوصاً، يكونون ادباء او مارين على درب الأدب، وللانصاف اقولها بتجرّد وكي لا يحمل احدهم وزر الكلام: ضاع حابل الحكاية بنابل النكاية. لكون المار يمتطي صهوة البرق والأديب الأصيل يعبر صحراء شغفه على ظهر سلحفاة، فمن الطبيعي ان تندمل عيون الاخير برمل الغياب والإقصاء على حين مرور برق المارق على الطريق ذاتها الذي أعياها بزرع افكاره واسئلته المباحة، والتي وجدها مقطوفة الثمار قبل بلوغ نضجها من قبل المار الذي عبر تواً.
هل تساوت الدال الفاخر (الدكتوراه الأكاديمية) مع الدال الصفراء (الفخريّة) في هذا الوقت؟!
ثمة غبن طاف على وجه الحقيقة من خلال السوال الآتي الذي تمّ طرحه من خارج السياج، ربما من باب الفتنة، ولا تعني كلمة الفتنة هنا، إيقاع البين بين الدالين، دال الفاخر والدال الصفراء، انما أتت كلمة (الفتنة) هذه من الافتتان في إشارة يراد بها فتح شهية الدهشة الى اقصى حدودها والتي تمايز او تفارق ان صح المقال بين كفتي حكاية السوال اللاحق، هل تستوي السيئة مع الحسنة؟!
لعلّ هذا السوال وبالفعل يراد به الحق ولا سواه، الحق الذي يبرر – لمن وضعوا قبل أسمائهم، حرف الدال الاصفر، واقصد حملة ما يُطلق عليها الدكتوراه الفخرية او ما أسميه انا الدكتوراه الصفراء – كل ما يرتكبونه من اثام، أولاً بحق الشهادات الوطنية التي اذابت عيون حامليها في السهر والدراسة وتحمّل كل العقبات قبل نيلها، وكذلك ما يرتكبون من فظائع بحق الثقافة والمثقفين الحقيقيين الذين بدأوا بالانقراض في ظل سيطرة المارين على نواصي الضوء (وسائل الإعلام وغيرها). فهم وعلى أي حال واقعون بين مطرقة الحقيقة وسندان الضمير، ينكشف نوع معدنهم (الفالصو) عند اول طرقة، هذا من دون اختباره بسلطة النار التي تفصل غثّ الحكاية عن ثمينها.
لكن وبعيداً عن كل ما تقدّمت به اعلاه، لماذا وحدها بيوت اصحاب الدال الصفراء هي من ترمى عليها الحجارة ويتم التشهير بهم من قبلي او من قبل اي شخص قادر على تشكيل مقالة فضفاضة المعاني، متخمة بأسئلة الشك وذلك بحجة ايقاف هولاء المارقين عند حدهم الطبيعي والكشف عن منسوب القيمة الحقيقية والحاملة لحضورهم، بينما هناك رهط كبير من أصحاب الدال الفاخر (الدكتوراه الأكاديمية) يجزرون بسيوفهم/ اقلامهم جسد الأدب والثقافة وبطرق اشد ألف مرة حاملي الدال الصفراء والتي يراد بها اللمعان في الغالب، حتى وصل الامر الى ما لا يُطاق السكوت عنه.
اين القيمة الأخلاقية التي سمحت لك – يا دكتور وانت استاذ جامعي معروف بحضورك – ان تعلق على متصفحك الازرق (الفيسبوك) شهادة دكتوراه فخرية منحها لك صاحب مقهى لا يعرف كوع الثقافة الا من خلال بوع قبيلة الناهدات الفارعات الطول اللواتي يحتفي بهنّ من خلال (ابو تفاحتين) والذي تعرّض لموجة غياب قسري بسبب حرب البلاد، فعوض عن غيابه بنصف حبة من (ابو سرة).
والحبر ان الشعر لفي قهر.
لن اقول ان هولاء اوصلوا الدال الفاخر بعظمتها الى مواطئ لم تطاها من قبل، بل ولم يتوقفوا عند هذا الحد، بل اضافوا موضة جديدة الى درجة انها اصبحت اكثر من عرف، الا وهي، حين ينوي كاتب/ة ما اصدار ديوان شعري او رواية، يتهافت هولاء على هذا الشخص كاسراب النمل ولا ادري ان كانت كلمة (اسراب) يمكن اسقاطها على مجاميع النمل، صحيحة ليقدّموا له عروضاً مغرية لتقديم منجزه او التعريف به من جهة النقد، وهذا ليس بالمشكلة الحقيقيّة مطلقاً، انما المشكلة تكمن في ان هولاء الكتّاب الجدد يُحرجون امام حضور الدال الفاخر، فيذهبون لفتح ابواب مخطوطاتهم على مصاريعها، لنجد بعد الطبع ان عدد صفحات التقديم توازي عدد صفحات ما كتبه الكاتب نفسه، هذا عدا عن تهديد البعض منهم للكاتب، بالمقاطعة اول الزعل منه اذ ما وضع تقديم الدكتور فلان قبل تقديمه الرنان.
ورضي الكاتب بكم شركاء له في منتجه، وهذا امر لم يعد قابلاً للنقاش، لكن ما هو غير لائق ان لا تكونوا صادقين، اولاً مع انفسكم وثانياً مع مَن استضافتكم وفتح لكم باب حكايته.
في احدى قراءاتي الأخيرة لمنجز جديد، قام بتقديمه دالين فاخرتين وجدت ما تنطبق عليه الاية الكريمة: «ما انزل الله من سلطان». بين كفتي النقد والمنقود فثمة احد منهم لم يتطرق للمنجز اساساً، بل ذهب نحو استعراضات النقد الحسي وفسيولوجيا القيمة او نسبية التدفقات اللامرئية عبر حوامل السيالة النقدية الدالة على ما يساقط من استعارات قابلة للتاويل الإشاري العابر للرمز والكثير.. الكثير من صرعات النقد التي بيّنت ان قلم هذا الدكتور غليظة بحيث ان مفاتيحه النقدية قادرة على فكّ كل الاقفال الصدئة، كلمات تتجلّى في عيون القارئ بعضلات مفتولة وليست مفتونة. واما التقديم الثاني، قد تنكب كاتبها مقاربات على طريقته هو، ولقناعته ان قارئ ما لن يقرا مما كتبه في عشر صفحات، سوى الصفحة الاولى والتي تشي أن المكتوب مفهوم من عنوانه الصريح، «القبض على اناهيد الغزالة من اول رفة عطر».
برأيي، فإن كان التقديم الثالث للمنجز ذاته هو الاصدق، لكون كاتبه لم يحظ بعد باي من الدالين (الفاخر او الأصفر) والذي ذيل تقديمه، «بانه مجرد راي انطباعي». ولسوء حظه العاثر ولغبنه ممن وقعوا قبله بدالهم ودوالهم، ترك بقصدية رقم هاتفه النقال وعنوان بريده الإلكتروني والذي دل على انه استاذ لغة عربية متقاعد، يمتهن في فراغه الطويل حرفة التدقيق اللغوي.
لم تزل ارهاصات الفكرة كلها وخطوطها الرفيعة تتداعى في ملعب بنات افكاري اللواتي ضللن سواء السرير ودخلن بيوت الظنّ، على غير جواب لسوال لم يزل يدق جدار خزان راسي الثقيل، هل تساوت كفة دال الدكتوراة الأكاديمية مع دال الدكتوراه الفخرية التي غمرت الساحتين الثقافية والفنية؟!
* كاتب عربي/ فيينا.