مشهدان لشاشَتَيْن لبنانيَّتين في مسائية واحدة!
} السيد سامي خضرا
الأحد مساءً 24/1/2021 وبعد نشرات الأخبار المسائية مباشرة كان هناك مشهدان على شاشتين لبنانيتين كِلاهما يتحدث عن لبنان ومحيطه قبل قرنٍ من الزمن، حيث كانت بلاد الشام بمجملها متداخلة وأحداثها التاريخية واحدة من طرابلس وعكار واللاذقية والساحل السوري والبقاع وحمص… لكن الشاشتين تُقدّمان صورةً مُغايرةً تماماً الواحدة عن الأخرى:
فتلفزيون «المنار» كان يُحدثنا عن قائد الثورة السورية الكبرى ضدّ الاستعمار الفرنسي المناضل الكبير الشيخ صالح العلي وعن مواقفه ودوره في محاربة الاستعمار والاضرابات والعصيان المدني ومواجهة التبشير الديني السياسي في وثائقيٍ مُفيدٍ جداً.
فقد قدَّم هذا الوثائقي معلوماتٍ كثيرة إستعرضها مجموعةٌ من الأساتذة الجامعيين والمختصين والمهتمين بشؤونٍ تاريخية ومسؤولين عن متاحف حالية مع وثائق وصور ومعلومات ومراجع يشعُر بعدها الإنسان بالعزة والفخار بأهله وأجداده وتاريخه وبالمكانة العالية المتسامية لِمن سبقونا ومقدار فهمهم وعلمهم ووعيهم وأصالتهم وإدراكهم لخطورة ما يجري ووعيهم السياسي وتضحياتهم اللامحدودة وكيدهم للعدو الإستعماري الذي لا يُقيم وزناً لبشر فضلا عن الحجرٍ والحيوان والذي كان يتعامل معنا ككائنات لا يعترف بإنسانيتها.
هذا على شاشة المنار.
بينما وعلى الشاشة الأخرى وفي نفس الليلة وفي نفس الساعة كنا نرى مَن يُبجِّل الدور الفرنسي في لبنان ووجوده ومشاريعه وخدماته وشخصياته وشعرائه إلى درجة أنه سمَّى أحد وديانه بإِسم «لامارتين» كعربون إعجابٍ لهذه الشخصية… وتلا ذلك تسمية العديد من الشوارع والساحات والمناطق بأسماء المُستَعمر!
ولم يُذكر في هذا البرنامج دورٌ واحد نضالي جِهادي مُشرِّف كرَدة فعلٍ في مواجهة العدو الفرنسي الذي ما جاءَ إلى بلادنا إلا غازياً مُحتقراً سالباً دموياً ليَغرُز أنيَابَه ومخَالبَه في أجسادنا التي ما زالت إلى اليوم تَئِن من جروحٍ عميقة.
فيا عجباً لا ينقضي من صورٍ ممسوخةٍ أو تضليليةٍ أو ناقصةٍ أو كاذبةٍ أو مُنهزمة بين شاشتين لبلدٍ واحد قبل أن يُقَسِّمه العدو إلى بُلدان :
هي بلادٌ شامية عريقة عميقة ضاربة في عمق التاريخ لها وجودها ودورها قبل أن يأتي هؤلاء الغُزاة الأعداء فنرى بعض قومنا يفرحون بهم فرح الذليل البائع لكل وجوده المعنوي أمام عدوانٍ طعن في جسمنا الشامي وما يزال .
إنَّ توثيق التاريخ أعلاه بتفاصله الكثيرة هي أمانة في أيدينا وللأجيال وكيف تعاون هذا الزعيم الشيخ صالح العلي مع المجاهد إبراهيم هنانو قائد ثورة الشمال السوري في جبل الزاوية وأنطاكية تعاونا استراتيجيا مميزا، وتعاون مع المجاهد عمر البيطار في الحفة وكذلك مع المجاهد عز الدين القسام الذي قام بالتصدي للفرنسيين وكيف انتقل إلى الجنوب السوري بجوار فلسطين حيث قاتل الاحتلال الإنكليزي والمستعمرين اليهود.
فما دمنا لا نُميز الصديق من العدو والغريب عن القريب والمُحيط عن البعيد والذين نتقاسم معهم التاريخ عن الغُزاة الطامعين.. فهذا يعني أن كل حديثٍ في غير هذه الأسس الحيوية والضرورية يُعتبرُ تضييعا للأوقات بل للأولويات .
وما دمنا لا نُميز الكماليات عن الضروريات فهذا يعني أن قيامةً مَنْجِيَّةً لن تقوم .
فكيف يمكننا أن نمدح الفرنسيين أو الغربيين بشكلٍ عام وهم أصحاب التاريخ الدموي المعروف حتى فيما بينهم في بلادهم فضلاً عن خارجها وأنحاء العالم ، بينما نُعبِّر عن أهل محيطنا «بالغرباء» ونعتبرهم فاتحين غُزاة !
وكيف لا نذكر أو نتطرق إلى الدسائس التي قام بها الفرنسيون للسيطرة على بعض أهل بلاد الشام كأفراد وطوائف .
وكان الترويج آنذاك بأن فرنسا هي «الأم الحنون» وهو شعارٌ ما زال سارياً إلى يومنا هذا ومُلخصه أن من حق كل طائفة أن تُقيم دولة لها مُستقلةً عن جيرانها :
فوعدُوا بدولةٍ علوية رفضها الشيخ صالح العلي ودولة للطائفة الإسماعيلية رُفضت بدورها..
إضافةً إلى أدوار أخرى معروفة بحاجة إلى كثير من الكلام. فعلى أولي الأمر أن يحسموا مثل هذه الأمور لأنها أساسٌ لترتيب وحل الخلافات والإِختلافات التي نعيشها منذ قرن… وغير ذلك يُعتبر تضييعا لمستقبلنا جميعاً.
في ليلةٍ واحدة وفي ساعةٍ واحدة وفي القرن 21 تُقدَّم صورتان مُتبايِنتان غريبتان على شاشتين لبنانيتين ولا مَن يسأل ولا من يُجيب ولا من يُحاسِب !