المشروع النَّهضوي – الشِّعري بين «تجمُّع شعر» وأنطون سعاده
} عبد المجيد زراقط*
المقصود بـ«تجمُّع شعر» الشعراء والنُّقَّاد الذين نشطوا في إطار «مجلَّة شعر»، ودار النَّشر التي أنشأتها، ومنتداها النَّقدي الذي كان يُعقَد مساء يوم الخميس، من كلِّ شهر.
تفيد قراءة خطاب هذا التجمُّع أنَّه ألقى على نفسه مسؤولية تحقيق «الحداثة الشعرية العربيَّة»، إضافة الى تمثيله «دستور جيل شعري يحمل على كتفيه تغيير عالمه وواقعه تغييراً جذريَّاً» (راجع: مجلة شعر، 15/91).
يرى كثير من الباحثين أن هذا التجمُّع وجد مرجعه، في كثير ممَّا ذهب اليه، في تنظيره، في خطاب أنطون سعاده، وخصوصاً كتابه: «الصراع الفكري في الأدب السوري».
غير أن القراءة المتأنِّية، في الخطابين، تفيد بوجود فروق أساسيّة بينهما.
وفي هذا الحديث، نحاول أن نتبيَّن بعض هذه الفروق، وفاقاً لما يسمح به الحيِّز المحدود المتاح له.
من هذه الفروق نذكر:
بين الهويَّة السوريَّة والهويَّة المتوسِّطيَّة: وجد منظِّرو هذا التجمُّع جذور ذاتهم – هويتهم في الحضارة المتوسطِّية، بوصفها خميرة الحضارة الإنسانية ومهدها، وأساس الحضارة الغربيَّة المعاصرة التي «تمثل حضارتنا…». (راجع: شعر/ 3 – 5، و18 / 13 و15 / 139). يلغي خطاب الهوية هذا ثنائيّة شرق / غرب، ليتماهى بالغرب المعاصر – الكونيّ، وهو ينحسر، لدى عدد من شعراء شعر اللبنانيين، الى حيِّز متوسطيّ ضيِّق – فينيقي، يقلِّص سورية الطبيعية الى حدود لبنان، والمعنيُّ به «جبل لبنان».
يُلحَظ، في هذا الوعي للهويَّة، تأثُّر بسعاده، من حيث عدُّ الحضارة المتوسطية جذراً تنبغي العودة اليه، لكن سعاده تحدَّث عن أمَّة سورية معيَّنة، لها خصوصيتها، وضعت أسس الحضارة المتوسطيّة والعالميّة، في حين يتحدَّث خطاب شعر عن هوية متوسطية – شراع من نحو أول، ومتقلِّصة الى حيز محدود من نحو ثانٍ، علاوة على أن إلغاء ثنائية شرق / غرب، لدى شعر، يعني اندماجاً في حضارة تُعطى صفة «العالمية» هي الحضارة الغربية، في حين أن دمج ثنائية شرق / غرب، لدى سعاده، تعني خصوصية أمة سورية «مدرحيَّة».
- مفهوم روح العصر و»المعاصرة»: يرى سعاده أن المعاصرة تعني «توليد النهضة القومية»، أو «الإحياء – البعث القوميّ». وهذا الإحياء ينبثق، على المستوى الأدبي من «روح العصر» – صميم الحياة المعيشة. (راجع للتفصيل: الصراع…، ص. 64). بينما يرى خطاب «تجمّع شعر» أن الشعور بالعقم واليباب، كما عند اليوت، وبإضاعة الذات، كما كتب بونفوا وبودلير ورامبو، يعبّر عن روح العصر، ويمثل شعور الشاعر الحديث (راجع للتفصيل، شعر / 2 / 64 و13 / 107، و24 / 138).
- وظيفة الشعر – الشعر والأيديولوجيا: يرى خطاب «تجمّع شعر» إلى وظيفة الشعر من منظورين متناقضين، فمن نحو أول يعلن أن «شعر هي للشعر، وللشعر فقط»، ومن نحو ثانٍ يعلن أنه «لا يحمل عبء الشعر فقط، بل عبء التاريخ أيضاً»، ويسعى إلى تغيير عالمه تغييراً جذرياً. بينما لم يعرف خطاب سعاده هذا التناقض، فالأدب، من منظوره «منارة الجماعة»، يصدر عن نظرة نافذة الى تاريخ الأمة وحياتها، وتمثُّل مثُلها وأمانيها وتمثيلها.
- ذات الشاعر وعلاقته بأمته: السؤال الذي يُطرح: هل تكون ذات الشاعر ذاتاً فرديَّة منكفئة على «أناها» متمركزة فيها… أو تكون ذاتاً تنتمي «أناها» إلى «نحن»، فلا تفقد خصوصيتها، في الوقت نفسه الذي تتمثَّل فيه قيم حياتها المعاصرة وتمثِّلها؟ في الإجابة عن هذا السؤال كانت الشخصية الفردية هي الجوهر والغاية في خطاب شعر، كما لدى الوجوديّين – كريغارد، وكان الفرد المتوحِّد بأمته، غير الفاقد خصوصيّته القوميّة والفرديّة، في اَن، هو الشاعر القادر على الإبداع، في خطاب سعاده.
- الفاعليَّة الشعرية – الإسهام الوطنيّ والعالميّ: السؤال الذي يُطرَح، هنا، هو: كيف نكون منتجين وفاعلين على المستويين: الوطني والعالمي، ونسهم في الحضارة العالميّة؟ هل يتم ذلك، بإنتاج نصِّنا الشعري الخاص وليد معاصرتنا، أو بإعادة إنتاج النص الغربيّ، نص الاَخر، بوصفه نصًّاً عالميّاً، ونزعم أنه نصُّنا نحن؟
الجواب هو: أنَّ الذات الفرديّة المنكفئة على نفسها، والمتمركزة فيها، والتي تعي هوية متوسطيّة (الجذر) – غربية (التجلي المعاصر)، وتحدس ميتافيزيقياً في ماوراء الأشياء، معتمدة أساليب شعرية تنتقيها من إنتاج الاَخر، ليس بمقدورها إنتاج نص خاص بها يضيف إلى التراثين الوطني والعالمي جديداً.
حاولنا، في هذه الإطلالة، أن نشير الى بعض القضايا التي قد تثير نقاشاً يتسع الى قضايا المشروع النهضويّ – الشعريّ، وهي كثيرة كما لا يُخفى على أيِّ معنيٍّ بهذا الشأن.
*ناقد وأستاذ جامعي.