القنصل العام حكمت ناصر لـ «البناء»: جمعية «سند لبنان» وُجدت إلى جانب الناس وميزتها العمل للتنمية الاجتماعية المستدامة
علي بدر الدين
تأسّست جمعية «سند لبنان»، العام الماضي، في ظروف اقتصادية واجتماعية ومالية وأمنية وصحية صعبة جداً شهدها لبنان، وانعكست برمّتها على المواطن اللبناني، الذي ما زال يعاني من تداعياتها.
التأسيس أتى بمبادرة من رئيسها القنصل العام حكمت ناصر، الذي أراد لها أن تولد في هذا التوقيت بالذات لمساعدة الناس والوقوف إلى جانبهم ودعمهم بالإمكانيات المتوفرة، علها تبلسم جراحاتهم وتخفف عنهم أعباء معيشية وصحية وتعليمية، وقد نجحت في مهامها ومسؤوليتها على أكثر من صعيد وقطاع.
وللإضاءة أكثر على الجمعية وإنجازاتها وأهدافها التقت «البناء» القنصل حكمت ناصر، فقال بداية «إنّ فكرة تأسيس جمعية تنموية تخدم الإنسان وتعمل على تنمية قدراته، فكرة لطالما راودتني. وقد زاد الشعور بضرورة تأسيسها تفاقم الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي يمرّ به المواطن اللبناني، حيث أنّ الشأن العام لم يكن يوماً خارج اهتماماتي، أو أمراً طارئاً، بل على العكس، فإنه يشكّل هاجساً دائماً، تمثل في الكثير من الجهود السابقة التي كنت أبذلها بشكل مستمرّ مع جهات متعدّدة.
وقد أخذ أمر تأسيس الجمعية العديد من اللقاءات والاستشارات حيث وضعنا أهدافها وحدّدنا قطاعات عملها. وبالفعل تقدّمنا بالطلب من وزارة الداخلية في 28 شباط 2019، وحصلنا على العلم والخبر في 01 تموز 2020، تحت الرقم 742.
أما ما يميّز «سند» عن باقي الجمعيات في لبنان، والتي تعدّ بالمئات منها الوهمي ومنها الفعلي والقليل جداً من يعمل على الأرض، فأوضح ناصر «لقد وُجدت الجمعية لتعمل، وبدون العمل والإنتاج لا ضرورة لوجودها. إلا أنّ تقييم عملها يبديه الناس المستفدون من خدماتها والمتفاعلون مع نشاطاتها. وما يميّز عمل الجمعية أنها مواكبة للتحوّلات التكنولوجية التي يمرّ بها عصرنا اليوم. فالمؤسسات العامة والبلديات والمدارس والجامعات والأفراد… لا يمكنهم بعد اليوم، عدم مواكبة التحوّل الرقمي، وبنوع أخصّ بعد جائحة كورونا، التي غيّرت من ظروف العمل والتعليم والتعامل. وهذا يتطلب اكتساب مهارات جديدة لكافة الشرائح المجتمعية، والجمعية أخذت المبادرة في هذا المجال، وبدأت تنتج نشاطاتها المتعدّدة في هذا الصدد، خلال فترة زمنية قصيرة.
وعن الرسالة والأهداف شرح ناصر أنّ الفارق الذي ستضيفه الجمعية إلى المشهد العام في البلد على الصعد الاجتماعية والثقافية والإنسانية هم أنّها تعمل لتحقيق التنمية المستدامة من أجل مساندة المجتمع اللبناني وتحقيق أفراده الازدهار والابتكار. وهذا يتطلب جهوداً كبيرة في الواقع، ولهذا السبب تمّ تقسيم عمل الجمعية إلى خمسة قطاعات أساسية هي: القطاع التربوي، القطاع التنموي، قطاع المرأة، القطاع الثقافي والقطاع الاغترابي. ووضع على رأس كلّ قطاع مدير يشرف على إنجاز برنامج عمله وفق الاستراتيجية العامة التي يشرف عليها مدير عام الجمعية.
كما تتميّز الجمعية بالقيم التي تحدّد عملها وهي: الشفافية، حيث أنّ كلّ النشاطات التي نقوم بها موجودة على موقعنا الالكتروني https://sanadleb.org، ومواقع التواصل الاجتماعي العائدة للجمعية، وليس لدينا معاملات مستترة أصلاً، كون تمويل الجمعية واقع حالياً على عاتق مؤسسها، وجميع نشاطاتها يتمّ تأمين مصاريفها بتمويل ذاتي وبتضحيات مشكورة من الأساتذة العاملين فيها، وبالتالي فإنّ الهدف هو تقديم المساعدة والمساهمة في إنقاذ ما تبقى من صورة لبنان التي نطمح أن تبقى ناصعة وخالدة. والقيمة الثانية التي نعمل من خلالها هي: التعاون، حيث أنّ كلّ الأنشطة والمبادرات التي تقوم بها مرتكزة على التعاون التامّ مع مختلف الجهات الحكومية والبلدية والمجتمع المحلي، سعياً لتحقيق الأهداف المشتركة. أما القيمة الثالثة فهي: الابتكار، كقيمة إنسانية ننتهجها ومبدأ أساسي في عملنا، سعياً لمواكبة العصر وتطوّراته المتسارعة.
وفي ما خصّ الخدمات التي تقدّمها الجمعية، أشار ناصر إلى «أننا منذ البداية وضعنا خطة عمل متكاملة وفق القطاعات التي ذكرتها سابقاً. إلا أنّ الواقع الصحي الذي فرضته جائحة كورونا، جعلتنا نتفاعل مع الواقع المفروض، ونلتفت إلى أولويات الناس. فتبرّعت الجمعية بـ 500 فحص PSR لمستشفى تبنين الحكومي في قضاء بنت جبيل، جنوب لبنان، يستفيد منه الأشخاص غير القادرين على دفع تكلفة هذا الفحص. وقد ترافقت هذه الخطوة مع بداية تأسيس مختبر فحص كورونا في المنطقة عندما بدأت وزارة الصحة بتعزيز قدرات المستشفيات الحكومية في المناطق. ولاقت هذه الخطوة استحسان المواطنيين كونها تلامس حاجاتهم الصحية. كما قامت الجمعية منذ بداية انتشار الوباء بتوزيع 10.000 كمامة على دفعتين، للبلديات والمخاتير والمدارس والمراكز الدينية والمؤسسات والأفراد، تأكيداً على وجوب الالتزام بوضع الكمامة وفق إرشادات وزارة الصحة وقرارات وزارة الداخلية.
أما بعد الكارثة التي ألمّت بلبنان بعد انفجار 4 آب في مرفأ بيروت، وهي كارثة فاقمت من أوجاع اللبنانيين وزادت على حياتهم اليومية الكثير من التحديات والصعوبات. فقد عملت جمعية سند لبنان منذ البداية، والتزماً بمبدأ الشفافية الذي ننتهجه، بالتنسيق مع قيادة الجيش اللبناني من خلال حضور الاجتماعات التي دعا إليها العميد الركن سامي الحويك، رئيس غرفة الطوارئ المتقدّمة لمتابعة الأوضاع الإنسانية والاجتماعية في المنطقة المنكوبة جراء الانفجار. وبعد تحديد الاحتياجات قدّمت جمعيتنا مركز اتصال متطوّرCall Center لصالح غرفة الطوارئ سعياً لتسهيل عملية التواصل بين المواطنين المتضرّرين وقيادة الجيش. كما أدرج اسم جمعية سند لبنان بين الجمعيات الموثوقة من قيادة الجيش للتعامل مع المواطنين.
أضاف ناصر: لم تتوقف الجمعية عند هذا الحدّ، بل حاولت تقديم المساعدة لبعض المؤسسات أبرزها مركز سرطان الأطفال الذي تضرّر بشكل كبير، وذلك انطلاقاً من حرص الجمعية على سلامة الأطفال الذين لا تتحمّل طفولتهم مزيداً من الألم.
أما بالنسبة للنشاطات التي استمرّت بها الجمعية وفق خطة عملها، فقد عقدت اللقاء التربوي التنسيقي في مركزها في بلدة حاريص الجنوبية، ضمّ رئيس المنطقة التربوية في النبطية الأستاذ أكرم أبو شقرا ممثلاً وزارة التربية، وجميع مدراء المدارس ضمن نطاق اتحاد بلديات القلعة الذي يضمّ 12 مدرسة. تمّ التداول في هذا الاجتماع في واقع المدرسة الرسمية وتجهيزاتها والحاجات المطلوبة لعبور عام دراسي وفق متطلبات التعليم من بعد، ووضع العديد من التوصيات. وقد باشرت الجمعية فوراً في تنفيذ التوصيات من خلال: وضع دراسة ميدانية علمية درست بالتفصيل واقع هذه المدارس واحتياجاتها، وتمّ تسليم الدراسة ضمن زيارات خاصة، إلى رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب، وإلى مدير عام وزارة التربية الأستاذ فادي يرق، وإلى رئيس المركز التربوي للبحوث والإنماء الأستاذ جورج نهرا، والمديرة العامة للتعليم المهني والتقني الدكتورة هنادي بري. وقد هدفت هذه اللقاءات إلى التنسيق في كيفية دعم المدرسة الرسمية.
وباشرت الجمعية منذ مطلع العام، بدورات تدريبية لجميع أساتذة المدارس الرسمية المذكورة البالغ عددهم 420 أستاذاً، على كافة التقنيات التكنولوجية والتفاعلية المطلوبة لتمكينهم من هذه المهارات الأساسية لنجاح العام الدراسي. وسيتمّ تخريجهم وتقديم شهادات عالمية لهم من Microsoft بإشراف وإدارة جمعيتنا.
وستستمرّ جمعية «سند لبنان» في دعم المدرسة الرسمية كونها تنظر إلى التعليم من منطلق استراتيجي، يؤدّي دعمه إلى خلق جيل جديد مبتكر من الطبقات الفقيرة والمتوسطة مما يساعدهم على الارتقاء بمجتمعهم. وسيتمّ الإعلان لاحقاً عن الأفكار التي ستقوم بتنفيذها الجمعية في هذا الصدد.
وأوضح ناصر أنّ الظروف الصعبة المستجدّة في البلد انعكست على برنامج عملنا، ورغم أنّ الجمعية لم تتوقف عن العمل، فقد أطلقت العديد من المبادرات التي لم تكن على جدول أعمالها، سعياً لمواكبة الواقع الذي نعيشه جميعاً. من هنا حاولت تقديم بعض المساعدات منها توزيع حقيبة القرطاسية التي تتضمّن كلّ ما يحتاجه التلميذ للعام الدراسي الحالي.
كما أنّ الجمعية لم تتوقف عن تحقيق أهداف عمل قطاعاتها. حيث قامت بتنفيذ مشروع دعم المبتكرين والمبدعين اللبنانيين، مع الجائزة السنوية التي أطلقت تحت اسم «جائزة حكمت ناصر للابتكار» التي فاز بها عدد من المبتكرين من المدارس الخاصة والرسمية. كما تمّ تكريم الأستاذة ماغي حجازي التي فازت بلقب «أفضل معلم عالمي لعام 2020» ضمن حفل في مركز الجمعية في حاريص برعاية رئيسة لجنة المرأة والطفل النيابية الدكتورة عناية عز الدين وبحضور الفاعليات السياسية والتربوية والاجتماعية، وقدّم لها «درع التفوّق» الذي تمنحه الجمعية للمبدعين والمبتكرين.
كما نظمت الجمعية العديد من المؤتمرات منها مؤتمر «التعليم الالكتروني» الذي شارك فيه 23 خبيراً تربوياً دولياً وحضور أكثر من 28.000 شخص. كذلك تنظيم مؤتمر اللغة العربية، في اليوم العالمي للغة العربية بمشاركة العديد من الخبراء دعماً للمنصات الرقمية التي تعلم اللغة العربية للناطقين وغير الناطقين بها.
وعن قطاع الاغتراب في الجمعية أكد القنصل ناصر أنّ هذا القطاع هو الذي يهتمّ عملياً بالتنسيق مع الأطراف خارج حدود الوطن. لأنّ التواصل مع المغتربين اللبنانيين أمر وطني بامتياز، وعلينا الاستمرار في تحقيق هذا التواصل بشكل فعّال.
من هذا المنطلق لدينا العديد من التصوّرات في هذا المجال، نعمل على تحقيقها وفق آليات محدّدة. إلا أنّ الأولوية اليوم هي تجاوز المحنة التي يمرّ بها المواطن اللبناني، والاستمرار في الوقوف إلى جانبه حتى نتجاوز الأزمة.