الوطن

الفرنسيُّ عدَّل بعض مبادرته ولم يبنِ على الزيارتين

} السيد سامي خضرا

مشكلةُ بعض الإعلام اللبناني أنه يُردِّد الشائع وينشر المنشور ويقول اليوم ما قيل بالأمس وكأنه بمجمله يدور في حلقةٍ واحدة من القيل والقال ليقع الاختلاف فقط في طريقة الإخراج والتقديم بحسب القائل أو الكاتب.

 وأما من حيث المضمون فهو شبه استنساخ!

وهذه مشكلة إعلامية لبنانية مُزمنة مع كلّ الأحداث والتطورات.

وآخر نموذج لها مبادرة الرئيس الفرنسي ماكرون حيث بدأ الجميع منذ أيام يتحدث عن الزيارة الثالثة وأنها استكمالٌ طبيعيٌ للزيارتين السابقتين، وأن نتيجةً تُرتجى كخلاصةٍ لا بدّ منها لفرض واقعٍ جديد وتنفيذ مطالب غربية، ويُرْفِقون ذلك بنكهةٍ من التهديد والوعيد والغضب في حال لم يستجب الفرقاء اللبنانيون للرسول الغربي الأممي السيد ماكرون!

وفي هذا الكلام كثير من اللَّبْس والمغالطة.

فليست بهذه البساطة أنّ ماكرون يأتي في رحلته الثالثة وكأنه في مسلسل تلفزيوني تُكمَّلُ حلقاته الأولى والثانية.

فالواقع ليس كذلك مُطلقاً، بل إنّ الطريقة والأسلوب والخلفية التي بَنَى عليها الفرنسيون مبادرتهم وتحركهم منذ الأيام الأولى لانفجار المرفأ كانت قفزةً غير مدروسة ومن عدة نواحٍ.

حيث ظنَّ المعنيون في الدوائر الرسمية الفرنسية المختصة بالواقع اللبناني أنّ الكتاب الفرنسي الذي كانوا يقرأون فيه خلال عقود القرن الماضي ما زال صالحاً إلى يومنا هذا.

وهذا اشتباهٌ كبير.

فلا يُخفى على الخبير اللبيب أنّ الواقع اللبناني اختلف كلياً عن القرن الماضي الذي يطرب البعض بالاحتفال به.

فلبنان الأمس وبكلّ تفاصيله ليس لبنان اليوم وبكلّ تفاصيله، فَلْتَنظُر السلطات الفرنسية إلى المُتغيِّرات الجمَّة على الساحة اللبنانية التي حصلت في العقود الثلاث الأخيرة في الداخل اللبناني والإقليم فضلاً عن التطورات الجذرية الواقعة في السنوات الحالية والتي أثْبتت قوى وأفشلت أخرى.

هذه المُتغيِّرات وهي أساسية كان خطأً فادحاً أنها لم تُؤخذ بعين الإعتبار من الأجهزة الفرنسية خاصةً مسؤول المخابرات والمرجع الأساس في الملف اللبناني بيرنارد إيمِّيه رئيس المخابرات الفرنسية والسفير السابق في لبنان والذي يُفترض أن يكون مُحيطاً بالمُتغيّرات أكثر من غيره ويبني على أساسها فكانت سقطة الجهات الفرنسية أنها تحمَّست في الزيارة الأولى لماكرون كما الثانية وظنَّت أنها مَع جملة خطوات إعلامية ومشاهد وصُدف مقصودة «وعبُّوطات» يُمكن أن تُقنع الناس ويُبنى عليها.

مع العلم أن «العبُّوطات» لا تقنع إلا «العبيطين»!

وبات واضحاً أنّ الدخول الفرنسي على الخط اللبناني آنذاك كان فجَّاً ثقيلاً حتى لا نقول أكثر من ذلك وإن تَبيَّن في ما بعد أنّ سماجة الدم الفرنسي كانت ثقيلة!

فأسلوب التهديد ورفع الصوت والتهويل والمعاقبة والتي طُرِب بها بعض اللبنانيين لاعتيادهم على هذه الأساليب تَبيَّن أنها لا تنفع ولذلك كما نلاحظ حصل تراجعٌ فرنسيٌ عَما سُمي شروطاً في البداية.

فمن الضروري أن نتناول المُتغيِّر الفرنسي الذي سيأتي على خلاف كلّ المِنهجية السابقة التي أثبتتْ فشلها حتى لا نقول رعونتها لِكي تلقى نجاحاً يُرتجى فتستطيع أن تلعب دوراً مع موافقةٍ نسبية للأميركيين وبشكلٍ عام للأوروبيين إضافة لقوى إقليمية لا بدّ منها كي يكون جواز المرور بِغَضِّ منها إنْ لم يكن بموافقتها.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ ما يُسمى بالمبادرة الفرنسية لم تأت من طُهْرٍ مُطهَّر ولا قُدسٍ مُقدَّس، فـ إضافةً إلى تاريخ فرنسا مع كلّ شعوب العالم ومنها شعوبنا، فإنّ الفساد اللبناني الذي أدَّى إلى ما نحن فيه اليوم كانت فرنسا تعلم به بكلّ تفاصيله وجزئياته من الصفقات إلى الرعايات إلى الديونات إلى التهريبات إلى الخُزعبلات المختلفة، بل كانت فرنسا هي إحدى الدول الراعية لحال لبنان والسياسة البائسة التي أدت بنا إلى وادٍ سحيق.

فالجديد اليوم هو المُتغيِّر الفرنسي الذي عدَّل بعض ما عنده وليس كما يُقال في الإعلام أنه بنى على الزيارتين الأولى والثانية.

إذا أَدْركنا ذلك وتأمَّلنا بعض تفاصيل ما يجري نستطيع فهم كيف يُمكن أنْ نتفاءل بالزيارة الثالثة لكنْ من خارج السِّياق الأول وإنما بنَفَسٍ جديد أكثر فهماً وواقعية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى