هل تنجح مبادرات الخارج والداخل في تأليف الحكومة أم العبرة في الخواتيم؟
} علي بدر الدين
انفجار كرة نار الاحتقان السياسي والاقتصادي والمعيشي والصحي، في طرابلس الفيحاء، اختصر بتوقيته ومكانه، واقع الحال الكارثي المأساوي التراكمي والمزمن، الذي بلغه لبنان، وفتح المجال أمام كم من التساؤلات التشاؤمية عالية المنسوب التي لا تعد ولا تحصى، والتي تؤشر بطريقة أو أخرى، إلى الأخطار المحدقة والمتربصة والقائمة والداهمة بهذا الوطن المصاب بأكثر من مرض مزمن ومستعص، لا شفاء منه ولا دواء له ولا علاج، بعد اختفاء الأدوية واحتكارها والمتاجرة بصحة المواطن وسلامته، بين ثالوث السلطة والمال وتجار الدواء من الشركات المستوردة القليلة جداً، التي يقال انها ثلاث شركات فقط، ومن بعض الصيدليات المدعومة والمغطاة سلطوياً، ولأن الأطباء المهرة غادروا البلد قسراً أو قهراً أو هرباً من السياسة الجائرة التي تمارسها السلطة، والقائمة على الفساد والنهب والمحاصصة، وتغليبها لمصالحها وامتيازاتها على مصلحة الوطن والدولة والشعب والمؤسسات.
الانفجار الشعبي في طرابلس الذي تخلله عنف متبادل بين القوى الامنية الرسمية وبين مجموعات مشاغبة اخترقت صفوف الفقراء والجائعين، واستغلت وجعهم، وصادرت صرخاتهم، وحقهم في الاحتجاج على ما آلت إليه أوضاعهم التي تنبئ بالأسوأ والأخطر، من أجل إيصال اكثر من رسالة لأكثر من جهة، ولكل من يعنيهم الأمر في الداخل والخارج.
هذا الإنفجار الذي تشظى منه القريب والبعيد،وضع السكين على عنق لبنان، وربما حشر جميع المعنيين المحليين الخارجيين،لأن المتسلقين على فقر الناس وجوعهم وبطالتهم،وتحديدا، من أصحاب «الأجندات» السياسية المباشرين او عبر الوكلاء من «أبطال « المحاور وتجار الدم والسلاح،وبائعي الولاء لمن يدفع أكثر،لجأوا إلى إستخدام وسائل عنفية «مولوتفية «وغيرها وإلى حرق مبان ومؤسسات لها رمزيتها الدينية والرسمية والتراثية، لتتمدد إلى كل أحياء المدينة وجوارها وخارجها تحت عناوين وشعارات كانت ولازالت وقودا لحروب لبنان منذ عقود.غير أن ماحصل كان خطيرا بكل المقاييس،وكاد ينذر بشر مستطير، ولكن الله لطف بطرابلس وشعبها وأخمدت نار الفتنة والمصالح والغايات والاهداف المتعددة،غير ان جمرها لا يزال تحت الرماد، وقابل للاشتعال بأي لحظة، إذا لم يتم وأدها ومعالجة أسبابها وإيجاد الحلول المناسبة ولو بحدها الأدنى، و في أولوياتها، إنتشال الناس من فقرها ومنع الجوع من التسلل، سرا وجهارا إلى بيوتها المستورة، وتقديم «الصنارات»إليهم بدلا من الوعود الكاذبة،بالدعم والإنماء والإصلاح،لإستغلال فقرهم وقلة مواردهم لحاجات إنتخابية ومصالح سياسية وشخصية ضيقة.
بطبيعة الحال أن العهود والحكومات المتعاقبة، واثرياء طرابلس هم من يتحمل المسؤولية عن الاوضاع الإقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعاني منها الطرابلسيون وأوصلتهم إلى حال الفقر والعوزالتي تصيب أكثر من ٧.بالماية من سكانها.
ما إستجد في العاصمة الثانية للبنان، فعلا دق ناقوس الخطر الحقيقي، وأدى إلى انقلاب الصورة بل المشهد العام في طرابلس ولبنان وعلى تخوم المتوسط،وكاد لو نجح مشروع المجموعة المشاغبة، في إستجرار البعض إلى المواجهة عنفيا إلى ما لا يحمد عقباه.
أن إعادة تحريك المبادرة الفرنسية وإحياءها ليس لأنها تلقت إشارة دعم من الإدارة ألاميركية الجديدة،وهي في الاساس موجودة من الإدارة السابقة، بل لأن ما حصل في طرابلس من شغب مقصود من البعض ومخطط له من بعض من في الداخل لحساب دولة ما زالت تبحث عن موطيء قدم سياسي لها بكل الوسائل الممكنة حتى إذا امكن التوظيف بالأمن إضافة إلى مساعدات غذائية وإنسانية واجتماعية ومادية منها ما هو سري ومنها ما هو علني.
الدخول التركي المباشر او بالوكالة في أحداث طرابلس وفق بعض الجهات المتابعة عجل في إنعاش المبادرة الفرنسية وإعادة وضعها على سكة التأليف، مدعومة بإتصالات هاتفية أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع مسؤولين محددين متهمين بالعرقلة وتجيير السلطة والدولة لمصالح سياسية مستقبلية وشخصية.
الغريب في إعلان النفير الفرنسي، الإستجابة الداخلية للمبادرة الفرنسية بحلتها الجديدة، واطلاق مواقف ومبادرات أحوج ما يكون لها لبنان في هذه المرحلة، وهي تلاقي المبادرة الفرنسية في منتصف الطريق، لعل وعسى تنتج وتثمر وتفعل فعلها، لطالما إنتظرها اللبنانيون بشغف وشوق بالغين،ومن شأنها أن تعدل الموازين وتقلب التحالفات ولو مؤقتا لإمرار تأليف الحكومة وإجراء القليل من الإصلاحات أقله لإعادة الثقة والامل، من دون الحلم بالإصلاح الحقيقي والتغيير والمحاسبة لأن زمنهم لم يحن بعد.
مسار جديد حرك الجمود السياسي والحكومي،مع أنه فتح قنوات تواصل جديدة بين الرئاسات وإن كان من نوع آخر،قد يكمن فيها الخير للبنان واللبنانيين بعد طول انتظار .وتبقى العبرة في الخواتيم.