عودة الإمام إلى الأمام…
} شوقي عواضة
«لقد جعل آیة الله الخمیني الغرب یواجه أزمةً حقیقیّةً في التخطیط، لقد كانت قراراته مدوّیةً كالرعد بحیث لا تدع مجالاً للسّاسة والمنظّرین السیاسیین لاتخاذ أيّ فكر أو تخطیط. لم یستطع أحدٌ التّكهّن بقراراته بشكل مسبق. كان یتحدّث ویعمل وفقاً لمعاییر أخرى، تختلف عن المعاییر المعروفة في العالم، كأنّه یستوحي الإلهام من مكانٍ آخر، إنّ معاداته للغرب نابعة من تعالیمه الإلهیة، ولقد كان خالص النیة في معاداته أیضاً». بتلك العبارات علّق ثعلب السّياسة الأميركية هنري كيسينجر على قائد الثّورة الإسلامية ومفجرها الإمام الخميني، تلك الثورة التي كسرت المعايير وأحدثت زلزالاً دوّت أصداؤه في واشنطن وتل أبيب وهزّت العالم، أعادت التوازن إلى الصراع العربي «الإسرائيلي» بل أصبحت لاحقاً القوة الحقيقيّة الداعمة للمستضعفين في العالم ولحركات المقاومة وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية والمقاومة في لبنان. فبعد ما شهده العالم العربي من تراجعٍ بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر السّادات والكيان الصهيوني في 17 سبتمبر/ أيلول عام 1978، فالاتفاق الخياني الأول الذي وقعته دولة عربية كبيرة كمصر شكّل تحوّلاً كبيراً في الصّراع العربي الاسرئيلي لا سيّما أنه أدّى إلى النتائج الآتية:
1 ـ شكّل اتفاق كامب ديفيد اعترافاً رسمياً كاملاً بالكيان الصهيوني من أكبر دولة عربية كانت شريكاً وداعماً أساسيّاً في تحرير فلسطين.
2 ـ أدّى توقيع الاتفاق إلى تقديم العديد من التنازلات لصالح العدو «الإسرائيلي» والتخلي عن التزامات مصر تجاه القضية الفلسطينية والتنازل عن عروبتها وعن الحقّ التاريخي للفلسطينيين فيها.
3 ـ الاعتراف بـ «حق إسرائيل» في الوجود ككيان ودولة في فلسطين،ولها حقّ التصرف بالأرض، وهذا يعني التسليم بالمشروع الصهيوني وإعطاءه الأمن والأمان.
4 ـ شكّل توقيع الاتفاق ضربة قاسية للقضية الفلسطينيّة وشعبها والتّخلي الكامل عن دعم فصائل المقاومة الفلسطينية.
5 ـ أسّس اتفاق كامب ديفيد الخطوة الأولى للانهيار العربي الرسمي أمام الكيان الصهيوني لتتوالى لاحقاً مجموعة من الاتفاقيات التي وقعت عليها مجموعة من الدول منها اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، ثم اتفاق وادي عربة بين النظام الأردني والكيان الصهيوني في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1994. وصولاً إلى اتفاقيات التطبيع مع بعض دول الخليج.
كلّ تلك الاتفاقيات شكّلت ضرباتٍ كبيرةً وغادرة للقضية الفلسطينية، بل شكلت عملية عزل وقطع الدّعم لفصائل المقاومة، في تلك المرحلة الأليمة من تاريخ الأمة وبعد مرور ستة أشهر على توقيع اتفاق الخيانة في كامب ديفيد جاءت اللّحظة التاريخيّة التي غيّرت وجه التّاريخ وقلبت الموازين فكانت الثّورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام روح الله الموسوي الخميني التي جاءت كتعويض إلهي عن الخسارة التي مُنيت بها الأمة نتيجة خروج مصر من دائرة الصراع، فكانت عودة الإمام الخميني في العاشر من شباط 1979، عودة المنتصر الذي أعلى كلمة حق معلناً هوية الثورة ومصوّباً باتجاه فلسطين، ومع ما شهدته الثورة من مؤامرات أميركية وغربيّة وعربية منذ ولادتها شكلت سداً منيعاً في وجه الاستكبار العالمي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني لم تتغيّر ثوابت الثورة اتجاه المقاومة في فلسطين أو لبنان أو في دعم الشعوب والحركات المناهضة للاستكبار الأميركي بعد رحيل قائد الثورة الإمام الخميني بل ازدادت صلابة وإصراراً على دعم المقاومة رغم ما مورس عليها من حصارات وبالرّغم ممّا دفعت من أثمان باهظة لعبت إيران الدور الأكبر في مواجهة الشيطان الأكبر وشكّلت القطب الأكبر في مواجهة المشروع الصهيوني الأميركي وهزيمة داعش وأخواتها، متخطية كلّ العقوبات والحصارات لتسجّل العديد من الانجازات أوّلها استمرار دعم القضية الفلسطينية وفصائل المقاومة ودعم المقاومة في لبنان التي هزمت الكيان الصهيوني في عدوان تموز 1993 ونيسان 1996، إضافة إلى هزيمته الكبرى عام 2000 حيث أرغمته على الانسحاب حاملاً خيباته، ثم انتصار عام 2006،
لم تقف الإنجازات الإيرانية عند هذا الحدّ بل تخطت ذلك إلى مرحلة متقدّمةٍ على مستوى المشروع النووي الإيراني الذي أرعب الكيان وشياطين واشنطن وحلفاءها. وإذا ما أردنا الحديث عن إنجازات الثورة في دعم المقاومة في لبنان وفلسطين لأوجزنا ذلك بما يلي:
1 ـ انتصار إيران على أكبر وأعتى قوّة في العالم المتمثّلة بالولايات المتحدة الأميركية من خلال كسر الحصار ورفض العقوبات والمضيّ بتحقيق الإنجازات والمشاريع العلميّة والعسكرية وفي مقدّمتها المشروع النووي.
2 ـ انعكاس تطوّر القدرات الصّاروخية والطائرات المسيّرة لإيران على محور المقاومة من اليمن إلى العراق وسورية ولبنان وفلسطين انعكاساً عملياً أدّى إلى تغيير الموازين في المنطقة أو على الأقلّ منع تحقيق أيّ تقدّم لتحالف قوى الشّر الأميركي الصهيوني الخليجي.
3 ـ تغيير قواعد المواجهة وفرض معادلاتٍ جديدة أثمرت نتائجها انتصاراتٍ في العراق وسورية واليمن ولبنان وفرض معادلات جديدة أدّت إلى تراجع المشروع الأميركي الصهيوني وتقهقره بشكلٍ كبيرٍ.
4 ـ قدرة إيران بالرّغم من الحصار والعقوبات على تنمية قوّة محور المقاومة على المستوى الاستراتيجي والعسكري والإعداد للمعركة الكبرى لتحرير فلسطين.
5 ـ التزام وتبنّي إيران للقضية الفلسطينية وقضايا المستضعفين في العالم، ومنها فنزويلا المحاصرة، التزاماً سياسياً واستراتيجياً ومبدئياً أثبت أنّه لا يساوم ولا يفرّط بالتزامات مهما قُدِّمت لإيران من مغريات.
بناء على تلك المعطيات المستقاة من الواقع يتجلّى بوضوح مشهد الثورة ورؤية الإمام الخميني وأبعادها في الصراع مع الاستكبار العالمي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، يتجلّى بوضوح أمام أعيننا موقف إيران التي كانت أكثر عروبة ممّن حملوا لواء العروبة لعقود وكانوا أوّل من طعنوا العروبة بخيانتهم لفلسطين وقضيتها وشعبها. تلك هي إيران الإمام الذي عاد بنا إلى الأمام بعودة خرجت عن كلّ مألوف…