مقتل لقمان سليم يتحوّل منصة تستعيد مناخات الاغتيالات والاتهامات السياسيّة
بايدن يدعو لوقف السعوديّة والإمارات حربهما على اليمن... ويتجاهل «إسرائيل» وإيران/ بيان فرنسيّ أميركيّ حول لبنان: لحكومة ذات مصداقيّة وتجاهل نظريّة «حكومة المهمّة»
كتب المحرّر السياسيّ
شغل مقتل الناشط المناهض للمقاومة لقمان سليم المشهد اللبناني مع تساؤلات حول الجهة المستفيدة من الجريمة، التي بدأت الأجهزة الأمنية والقضائية التحقيق فيها، وسط استعادة للمشهد الذي أعاد اللبنانيين إلى أيام الاغتيالات والاتهامات السياسية، التي انطلقت من كل الفريق المناهض للمقاومة موجهة سهام الاتهام إلى حزب الله، الذي أصدر بياناً أدان فيه الجريمة داعياً القضاء إلى تسريع كشف المجرمين وسوقهم أمام العدالة لينالوا قصاصهم العادل، بينما تحدّثت مصادر سياسية وأمنية عن مخاطر المرحلة الانتقالية التي تمر بها المنطقة بعد تولي الإدارة الأميركية الجديدة مسؤولياتها، وبدء ظهور سياساتها وما تحمله من تغيير، خصوصاً لجهة العزم على العودة الى الاتفاق النووي مع إيران في ظل غضب إسرائيلي سعودي تعبر عنه المواقف، وتترجمه المشاهد المتفجّرة في العراق وسورية، وربما عمليات من نوع ما شهده لبنان من استغلال لغضب الجوع في طرابلس أو لجريمة الأمس، سواء لتوجيه رسائل عابرة للعواصم تحذّر من تجاوز موقع السعودية وإسرائيل كشريكين في السياسات على مستوى المنطقة وقدرتهما على التعطيل، أو لمحاولة خلق مناخات من الفوضى، أو لشيطنة حزب الله ومن خلفه إيران في ملفات لها حساسية خاصة لدى إدارة الرئيس بايدن كقضايا حقوق الإنسان، والناشطين تحت عنوان منظمات المجتمع المدني المحسوبين كأصدقاء علنيين لواشنطن.
السياسة الأميركية في العالم والمنطقة كانت موضوع كلمة متلفزة للرئيس الأميركيّ جو بايدن رسم فيها خطته لإحياء الدبلوماسيّة، التي توّجها بإعلان عن مبادرة عملية واحدة، هي الإصرار على وقف الحرب على اليمن وتحميل السعودية والإمارات مسؤولية استمرارها، ترجمه الإعلان عن وقف صفقات السلاح للدولتين الخليجيتين، ووصف الحرب كمصدر لأكبر كارثة إنسانية، والدعوة لوقف فوري لإطلاق النار وبدء مساعي الحل السياسي، وتكليف مبعوث خاص لليمن، بينما كان لافتاً لأسباب مختلفة تجاهل كل من إيران و»إسرائيل». فتجاهل إيران مرده كما تقول مصادر إعلامية أميركية هو ترك التفاوض غير المباشر الذي يديره مفوض السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل بين وزيري الخارجية الأميركية والإيرانية، ويسعى الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون للعب دور محوري فيه، بينما تجاهل «إسرائيل» فيشكل سابقة تضاف إلى تجاهل الاتصال الروتيني الذي يجريه الرؤساء الأميركيون برئيس حكومة كيان الاحتلال، وما يعنيه الأمران من رسالة واضحة لبنيامين نتنياهو بأن لا تنسيق في الملف النووي الإيراني، وأن لا نسيان للدور الذي لعبه نتنياهو في الحملة الانتخابية للرئيس السابق دونالد ترامب.
في اليوم ذاته أمس، كان البيان المشترك لوزيري الخارجية الأميركية والفرنسية حول لبنان، يكمل صورة المبادرات التي تتصدر الاهتمام الأميركي، ليفاجئ الأميركيون حلفاءهم الفرنسيين بتجاهل مطلب دائم تقليديّ في البيانات عن لبنان، يشير الى حزب الله كمصدر للمشاكل اللبنانية السياسية والاقتصادية والأمنية، وهو ما خلا منه البيان، بينما خلا البيان الذي جاء بمناسبة مرور ستة شهور على انفجار مرفأ بيروت، وهو عذر شكلي لإصدار بيان مشترك، من دعوات التحقيق الدولي في انفجار المرفأ، والاكتفاء بحثّ القضاء اللبناني على الإسراع بتحقيق شفاف يكشف الحقائق حول التفجير، والأمر الأهم في البيان استبدال الدعوة لحكومة اختصاصيين او حكومة مهمة، كما دأبت البيانات الفرنسيّة على التأكيد، بالدعوة إلى حكومة ذات مصداقية وفعالة، ما يعني وفقاً لمصادر إعلامية فرنسية الجمع في تشكيل الحكومة بين مواصفات الوزراء الشخصية في الخبرة والنزاهة، وبين حيازتهم على التغطية السياسية والنيابية التي تتيح لهم إقناع الجهات الدولية بقدرة الحكومة على تنفيذ التزاماتها، وعدم ربط عمر الحكومة بمهمة تنتهي بعدها.
وبقي الملف الحكومي في دائرة الجمود بانتظار عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من جولته الخارجية، وأفيد أن الحريري توجّه من مصر إلى باريس على أن يزور الإمارات أيضاً.
وفي موقف مشترك يعبّر عن تطوّر في الموقف الأميركي حيال الوضع في لبنان، أكّد وزيرا الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان والأميركية أنطوني بلينكن في بيان مشترك أنّه «بعد ستة أشهر من الانفجار الذي وقع في 4 آب في مرفأ بيروت، والذي تسبب بسقوط مئات الضحايا وأضرار كبيرة، تؤكد فرنسا والولايات المتحدة دعمهما الكامل الذي لا لبس فيه للشعب اللبناني».
وقال الطرفان في بيانهما المشترك: «كما فعلنا منذ الانفجار، بما في ذلك مع الأمم المتحدة وشركائنا والمجتمع المدني اللبناني في مؤتمري الدعم في 9 آب و2 كانون الأول، ستواصل فرنسا والولايات المتحدة تقديم المساعدة العاجلة للشعب اللبناني، بما في ذلك الصحة والتعليم والإسكان والدعم الغذائي». ولفتا إلى أنّ «فرنسا والولايات المتحدة توقعتا نتائج سريعة في التحقيق في أسباب الانفجار، مؤكدتين انتظام العدالة اللبنانية يجب أن يعمل بشفافية بعيداً عن أي تدخل سياسي».
ولفتت مصادر «البناء» إلى أن «البيان الأميركي – الفرنسي يأتي استكمالاً للاتصال بين الرئيسين جو بايدن وإيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي، لكنه بقي في العموميات ولم يترجم على أرض الواقع لجهة تأليف الحكومة ما يعني بأن التفاهم على تأليف الحكومة لم يتبلور بعد».
وفيما ترفض أوساط تيار المستقبل استباق نتائج جولة الرئيس الحريري العربية والفرنسية وانعكاسها على الملف الحكومي، فضلت انتظار عودة الحريري للبناء على الشيء مقتضاه. أشارت مصادر في التيار الوطني الحر لـ»البناء» إلى أن «الحريري يحاول أن يدوّل الأزمة الحكومية ويستدرج الضغوط الخارجيّة على رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر، وهو يعلم أن الحل هو في التفاهم الداخلي»، ولفتت المصادر إلى أننا «لم نسمع خلال الاتصالات الدولية مع رئيس الجمهورية أي طلب مباشر لتلبية مطالب الرئيس الحريري وتحديداً الرئيس الفرنسي الذي لا يثق بالطبقة السياسية كما عبر في أكثر من محطة». ورأت المصادر أن «كل الحديث عن خلافات على الحصص والحقائب لا يعبر عن حقيقة خلفيات الأزمة الحكومية، فالمشكلة تدور حول إصرار رئيس الجمهورية والتيار على موضوع التدقيق الجنائي الذي يرفضه بعض الشركاء الآخرين وبالتالي التدقيق الجنائي هو عائق أمام تأليف الحكومة فضلاً عن أنه مطلب للمجتمع الدولي وبند أساسيّ في المبادرة الفرنسية كمدخل للدعم المالي الخارجي للبنان». وشدّدت المصادر على أن الرئيس عون «مصرّ على أن يكون التدقيق الجنائي أولوية الحكومة المقبلة وتكريسه في البيان الوزاري».
على صعيد ملف التحويلات من مصرف لبنان إلى سويسرا، أرسل مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات إلى المدعي العام السويسري النسخة الإلكترونية من مضمون إفادة سلامة وشقيقه وإفادات شهود ومستندات وتمّ أيضاً إرسال نسخة ورقية عن طريق وزارتي العدل والخارجية.
وطلب القاضي عويدات في المقابل تزويده بالمستندات المتوفرة لديهم على أن يتم، إلحاقاً تزويد الجهة المطالبِة بالمستندات من مصرف لبنان والهيئات المصرفية، على أن «ينصرف النائب العام التمييزي الى درس كل المستندات المتوافرة، وما قد يرده من السلطات السويسرية وفقاً لطلبه وما قد تتضمنه من أدلة كافية لإجراء تحقيق محليّ مع المعنيين».
وأشارت مصادر لـ»البناء» إلى أن «مساعدة «الحاكم» ماريان الحويك لم يتمّ استجوابها لوجودها خارج لبنان». ولفتت إلى أن «الحويك ليست موظفة عادية، بل هي الساعد الأيمن للحاكم والمديرة التنفيذية في المصرف المركزي منذ العام 2007 حتى 2018. وبعدما أُثير ملف التحويلات بادر سلامة إلى تعيينها مستشارته الأولى عام 2020». وكشفت المصادر أن «سلامة أدلى بإفادته كاملة أمام عويدات وتضمنت إجابات على كل التساؤلات التي طلبها القضاء السويسري». وأفادت المصادر أن «إفادة سلامة تمحورت حول الكثير من الأسئلة والاستيضاحات حول موضوع التحويلات المالية من مصرف لبنان إلى مصارف سويسرية، لكن التركيز كان على مصادر التحويل، وإذا كان ناتجاً عن مالٍ عام وعلاقته بالإثراء غير المشروع، أم مالٍ خاص وكيفية تكوينه وإذا كان ثروة عائلية أو ميراث وكيف تراكمت وما إذا كان حجم المبالغ المحوّلة يتناسب مع تراكم هذه الثروة عبر عقود من الزمن». وتحدثت أوساط مقربة من الحاكم لـ»البناء» أنه «مثُل أمام القضاء اللبناني من موقع الاستماع إلى إفادته وليس من موقع المُدّعى عليه أو المتهم وأنه مستعد للمثول أمام القضاء السويسري».
وأوضح رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الدكتور بول مرقص لـ»البناء» أنه وفقاً للاستنابة القضائية السويسرية يُرسل المُدعي العام مضمون الإفادة ويمكن أن يرفقها بأي إضافات قد يطلبها القضاء السويسري». ولفت مرقص إلى أن «تقديم سلامة إفادته أمام القضاء اللبناني لا يعني أنه لن يمثُل أمام القضاء السويسري، لا بل إن سلامة استعمل حق الخيار بأن يمثل حضورياً أمام القضاء السويسري بعد تقديم إفادته أمام المدّعي العام اللبناني». ولفت إلى أن «هذا الأمر من شأنه تسريع الإجراءات التي تستغرق عادة شهوراً وأعوام، ومن جهة ثانية تمنح الحاكم قوة دفع باتجاه تبديد الشبهة التي تحوم حول التحويلات بمجرد مثوله وتقديم التبريرات وتدعيمه بمستندات عن مصدر الأموال ومشروعيتها في حال كانت مشروعة».
وفي تطور أمني يؤشر إلى عودة مسلسل الاغتيالات في لبنان، أثار اغتيال الكاتب والناشط السياسي لقمان سليم في بلدة العدوسية في الجنوب جملة تساؤلات عن الجهات المسؤولة عن الاغتيالات ومدى ارتباطها بعودة النشاط الإرهابي إلى لبنان واكتشاف الأجهزة الأمنية أكثر من شبكة إرهابية خلال الأسابيع الماضية فضلاً عن اكتشاف العميل الإسرائيلي أحمد عبد الحسين ضاهر، الملقب بـ “ابو شهاب ضاهر» في عربصاليم. ما يوجه أصابع الاتهام إلى العدو الإسرائيلي الذي له سوابق في عمليات كهذه.
وبحسب المعلومات فقد عثر على سليم مقتولاً بأربع رصاصات في الرأس والظهر داخل سيارته في منطقة النبطية جنوب لبنان وذلك بعد ساعات على اختفائه وفقدان الاتصال به عقب زيارة كان يقوم بها مع شخص آخر في بلدة نيحا الجنوبية.
وكلف المدعي العام في الجنوب القاضي رهيف رمضان فرع المعلومات بإجراء مسح كامل للكاميرات لمعرفة المسار الذي سلكته سيارة لقمان سليم قبل اغتياله وبتفريغ داتا هاتفه الخلوي وتحليلها.
وتوقفت مصادر مراقبة أمام حملة الاستغلال السياسي لجريمة القتل وتحميل حزب الله المسؤولية واستباق التحقيق ما يدعو للتساؤل عن دور هذه الأصوات في المساهمة بتحقيق هدف الجريمة وإثارة الفتنة والتحريض ضد حزب الله.
وأثارت عملية الاغتيال سيلاً من ردود الفعل والإدانة، إذ استنكر حزب الله في بيان قتل الناشط السياسي لقمان سليم، وطالب الأجهزة القضائيّة والأمنيّة المختصة بالعمل سريعاً على كشف المرتكبين ومعاقبتهم، ومكافحة الجرائم المتنقلة في أكثر من منطقة في لبنان وما يرافقها من استغلال سياسي وإعلامي على حساب الأمن والاستقرار الداخلي.
رسمياً، طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة ملابسات جريمة اغتيال سليم التي وقعت في منطقة العدوسية في الجنوب. وشدد الرئيس عون على ضرورة الإسراع في التحقيق لجلاء الظروف التي أدت الى وقوع الجريمة والجهات التي تقف وراءها. من جانبه، كلف رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي «الايعاز الى الاجهزة الامنية الإسراع في تحقيقاتها لكشف ملابسات جريمة اغتيال سليم، وملاحقة الفاعلين والقبض عليهم وإحالتهم الى القضاء في أسرع وقت». وشدّد على أن هذه الجريمة النكراء يجب الا تمرّ من دون محاسبة، وأن لا تهاون في متابعة هذه التحقيقات حتى النهاية».
وكانت لافتة المواقف الخارجية إزاء اغتيال سليم، إذ قالت سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو على «تويتر»: «تلقيت بحزن عميق وبقلق شديد نبأ اغتيال لقمان سليم. أتقدّم بأحر التعازي لعقيلته، وأسرته وأقاربه». وطالب سفير الاتحاد الأوروبي في لبنان رالف طراف «السلطات المعنية بإجراء التحقيق المناسب». وأبدى منسق الأمم المتحدة الخاص في لبنان يان كوبيش، انزعاجه للغاية “من الخسارة المأساوية للقمان سليم الناشط والصحافي المحترم، والصوت المستقل الصادق الشجاع». وطلب عبر «تويتر»، من السلطات التحقيق في هذه المأساة بشكل سريع وشفاف واستخلاص النتائج اللازمة».
على صعيد صحيّ، أعلن مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية وليد خوري أن «اجتماعات متتالية ستعقد اليوم لاتخاذ القرار النهائي بشأن مصير الإقفال العام مع ترجيح التوجه نحو الفتح التدريجي للبلد اعتباراً من الثامن من شباط». وقال: «يجب إيجاد طريقة ما لإعادة فتح البلد لأن الوضع لا يمكن أن يستمر على هذا النحو». وأعرب خوري عن «قلقه من ارقام الوفيات بفيروس كورونا ومن المؤشرات التي لا تظهر أي تراجع فيها مع محافظتها على نسبة إصابات تبلغ 22 في المئة من مجموع الفحوص».
بدوره، كشف رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي أن «هناك توجهاً لتمديد الإقفال حتى 15 شباط المقبل مع بعض الاستثناءات خلال اجتماع اللجنة الوزارية لمتابعة إجراءات كورونا خلال اجتماعها اليوم».
ولفت عراجي الى أنه «مع الإقفال لمدة أسبوع نظراً للواقع الصحي والمؤشرات الموجودة على أرض الواقع يجب الأخذ بها من قبل اللجنة الوزارية، شرط تقديم المساعدات للناس لتحمل مدة الإقفال إضافة الى فتح البلد بشكل منظم وليس بشكل عشوائي».