«إسرائيل جادّة» في تهديداتها لإيران…؟
} بهيج حمدان
دأب العدو الغاصب لفلسطين في الفترة القريبة الماضية على إطلاق التهديدات الصريحة ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبوتيرة متدحرجة وعلى ألسنة كبار المسؤولين في الكيان الصهيوني من رئيس الوزراء إلى وزير الدفاع إلى رئيس الأركان، وأوضحها ما قاله نتنياهو: «لن نسمح للإيرانيين بامتلاك سلاح نووي وسنضربهم لنفشل مخططاتهم».
وأحدث التهديدات وردت على لسان رئيس الأركان الذي توقع أنّ إيران تحتاج الى ستة أشهر لصنع قنبلة نووية، وهي ستمتلك بنهاية العام الحالي ما يكفي من اليورانيوم المخصّب المطلوب لصنع قنبلة ذرية، مؤكداً انّ إيران تخصّب ما بين 100 و 180 كلغ من اليورانيوم شهرياً، وهذا يعني أنّ إيران باتت على العتبة اللازمة لصنع قنبلة نووية.
ولوحظ أنّ وسائل إعلام ألمانية وبريطانية بدأت تحذر من امتلاك إيران للسلاح النووي واعتبار ذلك تهديداً للسلام العالمي! ومن دون أن تكون الترسانة النووية «الإسرائيلية» مدعاة للقلق على السلام العالمي!
وقد تكون التهديدات «الإسرائيلية» رسالة موجهة للإدارة الأميركية الجديدة في ضوء ما تردّد عن نية هذه الإدارة بالعودة الى الاتفاق النووي الذي خرج منه الرئيس الأميركي السابق؟
وقد تكون هذه التهديدات حاجة انتخابية لرئيس الحكومة «الإسرائيلية» المأزوم؟ كما قد تكون التهديدات مقدمة لحرب «إسرائيلية» ـ إيرانية لن يكون فيها نتنياهو المتضرّر لوحده، في ضوء ما ينتظره من فتح ملفاته الساخنة على المستوى الشخصي والقضائي، وهو الغريق سواء اندلعت الحرب ام لم تندلع.
صحيح أنّ الولايات المتحدة هي الضامنة لاستمرار الكيان الصهيوني في فلسطين، ولكنها لا تغفل المصلحة الأميركية في المقام الأول، وهي المعنية اليوم بلملمة ما أفسده الرئيس السابق ترامب وما سبّبه لبلاده من تشوّهات، ولجوئه الى الجزرة والعصا في تعامله مع الشعوب وخاصة من آسيا الى الشرق الأوسط، وتعاليه على كلّ من تواصل معهم من ملوك ورؤساء وأمراء.
ولما كانت «إسرائيل» خاضت سبع حروب مع العرب ابتداء من العام 1945 وأقساها حرب 1967 التي انتهت الى هزائم مريرة لحقت بالعرب، كالاستيلاء على قطاع غزة والضفة الغربية وصحراء سيناء وهضبة الجولان.
والحروب السبع المُشار اليها خاضتها «إسرائيل» ضدّ مصر وسورية والأردن ولبنان خارج الساحة الفلسطينية.
والحرب الوحيدة التي خرجت منها «إسرائيل» بخفى حنين، كانت في العام 2006 واستمرّت لشهر كامل ضدّ حزب الله الذي أرغمها على الانسحاب بعد ان ألحق فيها خسائر فادحة في الأفراد والعتاد.
ويقول العسكريون انّ «إسرائيل» خاضت مع العرب خمس حروب كبرى أعوام 1948 و 1956 و1970 و 1973 و 1982 و 2006 بالإضافة إلى حروب جانبية مع قطاع غزة وأعنفها عام 2014.
ولما كانت «إسرائيل» محاطة بدول عربية تدّعي رغبتها في تدمير «إسرائيل» كانت الرؤية «الإسرائيلية» تقول بضرورة تفكيك هذه المنظومة العربية، وعملت على مدى سنوات لتحقيق هذا الامر بمساعدة الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة، فكان الصلح اولا مع مصر كبرى الدول العربية والأردن وسلام مؤكد غير معلن مع السعودية، واليوم تطبيع كامل مع الإمارات العربية والبحرين وعُمان والمغرب ولم يعد لـ «إسرائيل» من يهدّدها غرباً مع مصر وشرقاً مع الأردن الى جانب عمق استراتيجي مع السعودية والكيانات الخليجية.
ولا شك انّ «إسرائيل» حققت نجاحاً باهراً مع «أعدائها» العرب، ولم تعد تخشى على سيادتها وأمنها وباتت حدودها تلامس مياه الخليج.
وفي ضوء العداوة الحقيقية بينها وبين إيران الثورة فإنّ دولة الصهاينة اليوم تستشعر خطراً ليس سيادياً وحسب بل هو وجودياً تمثله إيران كدولة عريقة حضارية متوثبة ضاربة في جذور التاريخ وغير عربية، باتت تمثل الخطر الحقيقي على الكيان الدخيل في شرق المتوسط، وما نقرأه ونتابعه من تهديدات للجمهورية الإيرانية نأخذه على محمل الجدّ.
ويقول رئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» الجنرال أفيف كوخاني انه يجب على دولته أن تخطط لعمليات ضدّ إيران قبل عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وهو خطأ مُضرّ بـ «إسرائيل».
وقال وزير الدفاع «الإسرائيلي» بيني غانتس: «إسرائيل» بحاجة لوضع خيار عسكري جاهز فوق الطاولة، وهذا الخيار بحاجة الى نفقات تزيد او تقلّ عن خمسة مليارات دولار (مذكراً بضرب المفاعل النووي العراقي عام 1991).
مثل هذا الكلام، وخاصة ما جاء على لسان نتنياهو، قد يكون موجهاً إلى الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن أكثر منه الى القادة في إيران؟
صحيح أنّ الإيرانيين قابلوا التهديد باللامبالاة واعتبروه «حرباً نفسية» مع تأكيد استعدادهم للردّ المناسب، فإنّ من يتابع السلوك الصهيوني وتدرّجه وفق مراجعة الأحداث والأفعال والتقارير والمعلومات السرية التي يجري تسريبها عمداً، انّ الحرب الصهيونية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تتوقف يوماً واحداً، بدليل الاغتيالات الثقيلة للعلماء الإيرانيين داخل إيران وخارجها، وانّ هناك حرباً غير معلنة في الفضاء الالكتروني بين إيران من جانب والولايات المتحدة و»إسرائيل» والسعودية من جانب آخر.
وفي العام 2010 تمّ إدخال برنامج فيروسي خبيث يحمل الاسم المُشفر «ستو اكس نت» أصاب أجهزة الكومبيوتر التي تتحكم بأجهزة الطرد المركزي وسبب إرباكاً قبل عودته الى نشاطه.
وسرعان ما ردّت إيران، ونجحت في إدخال برنامجها الفيروسي الخبيث المتطوّر وحمل اسماً رمزياً «شمعون» في شبكة «أرامكو» لشركة النفط السعودية ما أدّى الى تعطيل 30 ألف جهاز كومبيوتر أوقف النفط السعودي في حينه.
وفي التقدير الصهيوني انّ الاتفاق النووي الذي وقعته الولايات المتحدة وإيران والدول 5+1 كان يُفترض فيه وضع قيود صارمة على أنشطة إيران النووية بحيث تنتهي حاجتنا الى التفكير بضربات عسكرية. ويومها كانت «إسرائيل» والسعودية متشككتين بشأن الاتفاق الذي لم يفعل شيئاً لوقف الصواريخ الباليستية الإيرانية .
ويُفهم من مجمل هذا التفكير الصهيوني المتغلغل في الفكر السعودي، انّ «إسرائيل» تريد ان تستأصل كلّ معالم القوة والعلم والقدرة من الدول التي تجاورها إما بالتطبيع وإما بالعصا…
ولن يتوقف الكيد «الإسرائيلي» لإيران وهو مستمرّ كتعاقب الليل والنهار وخاصة بعد اطمئنانها للتطبيع مع «دول» خليجية، وتنتشر على طاولات الخبراء والمستشارين خرائط جغرافية للدولة الإيرانية، ويرون انّ ضرب إيران هو أصعب بكثير مما يظنون في ساحات واسعة تمتدّ لـ 16 مليون و 481 كلم مربع بينما مساحة الكيان الصهيوني الإجمالية 27 الف كلم مربع محاطة بدفاعات قوية، والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه: هل بإمكان «إسرائيل» ان تنفذ غارة جوية ناجحة من دون مشاركة أميركية؟ وهل مثل هذه المشاركة ممكنة، في حين انّ الصناعة النووية الإيرانية تبدو في ظاهرها مدنية، إلا أنها مرتبطة بشكل وثيق ببنى تحتية لا يعلمها الا الله.
وواضح انّ المنشآت النووية موزعة في أعماق الأرض وعلى مساحات صخرية تقدّر بمئات الكيلومترات لا يحصيها الكومبيوتر، ما يجعلها عصية على الاختراق، وانّ ايّ ضربة ناجحة جزئية سيترتب عليها إسقاط طائرات وأسر طيارين سيعرضون على شاشة التلفزيون الإيراني.
كلّ هذه التطورات والاستعراضات الإعلامية تبقى على هامش الحرب الضروس بين الاحتلال الصهيوني وأميركا والحلفاء، ولا تلغي التحضيرات لمفاعيل حرب لا تزال قائمة انْ لم تكن اليوم فغداً، وهي من سنن الصراع المستمر بين الخير والشر…