استراتيجية ثعلب أو قنفذ؟.. البساطة سرّ نجاح الأفكار
} أمل محمد أمين*
على الرغم من أن «الثعلب يعرف أشياء كثيرة، ولكن القنفذ يعرف شيئاً واحداً كبيراً».. فتوسّع الفيلسوف والمنظّر الاجتماعي البريطاني اشيعا برلين في شرح هذه الفكرة..
أشار برلين إلى أن الثعلب حيوان أنيق وذو دهاء يسعى لتحقيق العديد من الأهداف والمصالح في الوقت ذاته، ولكن بسبب هذه المجموعة الواسعة من الأهداف والاستراتيجيات، يصبح تفكيره متناثراً يفتقر إلى التركيز، لذلك لا يحقق الكثير على المدى الطويل.
في المقابل، القنفذ بطيء وثابت، وغالبًا ما يغفل الناس عنه أو يقللون من تقديره لأنه متواضع وهادئ. ولكنه على عكس الثعلب لديه قدرة مذهلة على تبسيط الأمور والتركيز على رؤية واحدة شاملة. هذا هو المبدأ الذي يحكم كل ما يفعله، والذي يساعده على النجاح رغم كل الصعاب.
لماذا يتفوق القنفذ؟
قام الكاتب الأميركي جيمس سي كولينز بتطوير هذه الفكرة وإبراز تطبيقاتها في عالم إدارة الشركات في كتابه الشهير «من جيّد إلى عظيم» الصادر في عام 2001، والذي أشار خلاله إلى أن الشركات تكون أكثر عرضة للنجاح إذا كانت مثل القنفذ تركّز على شيء واحد وتقوم به على نحو جيد، موضحاً أنها من خلال القيام بذلك، يمكنها أن تتغلّب على منافسيها لتصبح شركة كبرى.
يقول كولينز، اتضح أن كل القادة الجيدين والعظماء يتبعون استراتيجية القنفذ. فهم يعرفون كيف يقومون بتبسيط العالم المعقد ضمن رؤية موحّدة، وهو ما يؤدي إلى توحيد وتنظيم جميع قراراتهم، وتوظيف مواردهم وطاقاتهم بشكل أفضل، بينما يميل الكاتب الأميركي إلى رؤية استراتيجية الثعالب على أنها مشتتة، تفتقر إلى التركيز وغير متناسقة.
ويقول الأستاذ في جامعة برينستون الأميركية مارفين بريسلر، إن الشيء المشترك بين أصحاب التأثير على مر التاريخ، هو أنهم جميعًا اتبعوا نظرية القنفذ، جميعهم أخذوا فكرة معقدة وقاموا بتبسيطها. فكرة واحدة وصلوا بها إلى أبعد ما يمكنهم. وهذا ما فعله فرويد في مفهوم اللاوعي، وماركس مع الصراع الطبقي، أينشتاين مع النسبية، وآدم سميث مع مفهوم تقسيم العمل.
أن تكون واضحاً ومحدداً، هي قوة لا مثيل لها. وبالمناسبة القنفذ ليس غبيًا، بل على العكس تمامًا، هو يدرك أن جوهر البصيرة هو البساطة. هل هناك ما هو أكثر بساطة من «E=mc²» (معادلة تكافؤ الكتلة والطاقة، الأشهر في التاريخ)، ماذا يمكن أن يكون أكثر أناقة من مثال مصنع الدبابيس الذي ضربه آدم سميث لشرح فكرة تقسيم العمل.
وفقًا لبريسلر، أولئك الذين ينتهجون استراتيجية القنفذ ليسوا سُذجاً، وإنما يمتلكون نظرة ثاقبة تسمح لهم بالرؤية بشكل واضح خلال المشهد المعقد ببساطة، القنفذ يركز على ما هو ضروري، ويتجاهل أي شيء آخر.
أهم ما يميز استراتيجية القنفذ في عالم الأعمال التجارية هو اتساقها. فالشركات التي تكرّس نفسها لغاية محددة تتمكن دائمًا من العثور على نقاط قوتها في أوقات الأزمات، وغالبًا ما تكون أكثر استعدادًا للصمود في وجه تقلبات السوق مقارنة مع المنافسين متعددي الرؤى والأهداف.
*كاتبة من مصر.