كبير من لبنان ودّعَنا!
} د. عدنان منصور*
رحل الرجل الكبير جان عبيد، الإنسان الذي ترك بصمة بيضاء في كلّ موقع تقلّده وتواجد فيه. هو الوطني النقي الذي فهم بلده على غير ما فهمه تجار الأوطان وسماسرة السياسة ومقاولوها. مات جان عبيد، الإنسان والأديب والسياسي المحنّك، الخلوق بامتياز، المؤمن دون تعصّب. هو القلب الكبير المنفتح بثقافته الواسعة على الرسالات السماوية، والقيم الإنسانية. لا يكره إنساناً ولا يبغضه وإنْ أساء إليه. لياقته المعهودة، وتهذيبه الرفيع، وسلوكه العالي، وتعاطيه اللبق، تجعله في طليعة الرجال المحترمين.
عرفه أعضاء السلك الدبلوماسي اللبناني والأجنبي، كما كلّ موظفي وزارة الخارجية، بتعاطيه الإنساني الراقي معهم، وبأدائه اللافت المتميّز، لا يغضب، ولا يثور، فهو بهدوئه ومناقبيته العميقة، وخبرة السنين، وبعد النظر، يعالج الأمور بحكمة دون خلفيات سياسية أو عقائدية أو دينية أو طائفية أو مذهبية أو مناطقية. آمن بلبنان وفهمه رسالة إنسانية لا كما فهمه تجار الأوطان، المغامرون العابثون بمستقبل شعبه وحقوقه.
تجلس معه فيحدثك بعقلانية وبفكر نيّر صاف، وببعد نظر ليس فيه شيء من النفاق السياسي أو الدجل، او الخداع، أو المراوغة، أو التذاكي المزيّف المقيت، الذي ثراه عند الكثيرين من السياسيّين. تصغي إليه وتنصّت باهتمام وتقدير، وإعجاب وهو يطرح أفكاره النيّرة حول مواضيع عديدة، منها ما يتعلق بلبنان والمنطقة وأوضاعها، منطلقاً من مبدأ الأخلاق، لا من وحل السياسة التي أدمنت عليها الغالبية من سياسيّي لبنان ومسؤوليه. لم لا، أليس هو جان عبيد الذي كان نظيف الكفّ، بعيداً عن الصفقات، والسمسرات وكان دائماً فوق الشبهات؟! إحترم نفسه، فاحترمه الجميع، أخصام ومريدون.
برحيلك أيها الصديق الغالي، الكاتب والأديب، والسياسي، والنائب والوزير، خسر لبنان رجلاً من خيرة رجالاته، في زمن كثر فيه مقاولو الوطن، وتجار بازار السياسة، وقلّ فيه السياسيون الوطنيون الشرفاء، وما أنت جان عبيد إلا واحداً من هؤلاء الشرفاء….
ثق أنّ ذكراك ستظلّ في قلب كلّ نزيه وشريف، عرفك عن قرب، أكان ذلك داخل الحكومة، ام في المجلس النيابي، أم في قاعات المؤتمرات الدولية التي شاركت فيها، حيث كان لحضورك وقع مميّز.
جان عبيد وداعاً، ولترقد روحك بسلام وبرحمة المولى تعالى.
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق