قطر تلتقط الفرصة
يستغرق بعض السياسيين اللبنانيين بين الانكفاء السعودي العقابي للبنان وكل من يحمل فكر التسوية السياسية فيه على قاعدة الانخراط العضوي للسعودية في سياسة الضغوط القصوى التي قادتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بتشجيع وتحريض سعودي إسرائيلي محوره إمكانية تحقيق انتصار على محور المقاومة عبر إسقاط المنطقة في الفراغ السياسي والمالي، انطلاقاً من الورطة التي أوقع فيها ترامب بلاده بالانسحاب من الاتفاق النووي، بما جعل إيران على أبواب امتلاك مقدرات تصنيع سلاح نووي، وهو الملف الذي يحتل أولوية أميركية على ملف يسميه السعوديون والإسرائيليون بملف النفوذ الإيراني، الذي يتراجع لمرتبة ثانية عند الأميركيين، كما تقول سياسات الإدارة الجديدة للرئيس جو بايدن.
يبني هؤلاء السياسيون على هذه القراءة امتداد القطيعة السعودية من دون أن ينتبهوا الى ان ترامب قد رحل وان السعودية تواصل القطيعة، لأنها منشغلة بما هو أهم في ظل المساعي الأميركية في رسم سياسة جديدة في المنطقة لا تتناسب مع التراتبية السعودية للأولويات، وربما تصل من بوابة فتح ملف قتل الصحافي جمال الخاشقجي الى مأزق سعودي كبير، رغم كل الطاعة السعودية في مواكبة الموقف الأميركيّ من الحرب على اليمن.
كذلك لا يميّز هؤلاء السياسيون بين مضمون المصالحة السعودية القطرية في الأيام الأخيرة لولاية ترامب، كهدية أميركية للسعودية بإغلاق النافذة التي يخشى السعوديون أن تتسلّل منها ريح أميركيّة جديدة للتلاعب بالداخل السعودي، أو للانفتاح على إيران، وبين تحوّل هذه المصالحة بعد بدء ولاية بايدن الى نافذة قطرية لاستثمار الانكفاء السعودي عن الملفات الإقليميّة على خلفية القلق مما هو آت، لتقدّم الدوحة تحت ظلال صمت سعودي لا يعكس الرضى، لكنه عاجز عن التعطيل والاعتراض، وتستعيد صيغة دور سابق لعبته الدوحة في ظروف مشابهة، كانت تلتقط خلالها قطر مناخاً أميركياً تسارع الى ترجمته مبادرات، كان منها اتفاق الدوحة الخاص بلبنان عام 2008.
زيارة وزير الخارجية القطرية الى بيروت اليوم استكشافية، للتمهيد لاستعادة مشابهة لدور أنتج اتفاق الدوحة، فهي استكشافيّة لحدود الممكن أميركياً وفرنسياً وسعودياً، ببلورة مكان لقطر في مقاربة الاستعصاء اللبناني والحاجة لفكفكة عقده، وحيث للمال دور حاسم في الفكفكة، وهي استكشافية لقابلية القوى السياسية اللبنانية للتفاعل مع هذه المبادرة.
لبنان المأزوم يحتاج لمن يبادر ويملك قدرة المساهمة المالية والمساعدة السياسية ويطلب أقل الأثمان بالمقابل، ولعل المبادرة القطرية تكون من هؤلاء في توقيت تقف قطر على نقطة وسط لوساطة خليجية إيرانية وتطلّع لوساطة أميركية إيرانية.