أوهام الإخوان بعد وصول جو بايدن!
د. محمد سيّد أحمد
نعود مجدّداً للحديث عن مستقبل جماعة الإخوان المسلمين بعد وصول الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن للبيت الأبيض، وهو الرئيس الديمقراطي المعروف عن حزبه دعم الجماعة الإرهابيّة، وهو ما جعل الروح تدب في الجماعة من جديد معتقدة أنّ إدارة الرئيس الجديد ستعود لدعمهم كما كانت تفعل إدارة الرئيس الأسبق أوباما، وأنّ سياسات الولايات المتحدة غير الداعمة للجماعة في عصر دونالد ترامب قد ولت بلا رجعة، فلم يكن الرجل يهتمّ كثيراً بالحديث عن الديمقراطية المزعومة التي يردّدها الديمقراطيون، والتي تستغلها الجماعة الإرهابية للضغط على الحكومات الوطنية، بحجة التضييق على تيار الإسلام السياسي ومصادرة حركته، باعتباره تياراً سياسياً تستدعي قواعد الديمقراطية تركه للعمل بحرية متغافلين عن ممارساته الإرهابية ضدّ الوطن.
واليوم ومع وصول بايدن للبيت الأبيض تجدّدت أوهام الجماعة وبدأت تحلم بالعودة لزعزعة الأمن والاستقرار في الداخل المصري، والقضاء على كلّ منجز تقوم به الدولة المصرية على طريق النهوض والتنمية، مستغلة علاقاتها السابقة مع الديمقراطيين، وهنا تجب العودة للخلف قليلاً ففي أعقاب 30 يونيو/ حزيران 2013 والإطاحة بالجماعة من سدة الحكم تحدثنا عن الخيارات المتاحة أمام الجماعة باعتبارها إحدى القوى الاجتماعية والسياسية الفاعلة على الساحة المجتمعية المصرية – فهذه حقيقة علمية سواء قبلها البعض أو حاول إنكارها – ولعلّ محاولات إنكارها هي ما أوصلنا لهذه الحالة الراهنة التي كبرت فيها الجماعة وتوحّشت وكادت تبتلع الوطن بكامله.
فأخطاء السلطة السياسية منذ مطلع السبعينيات من القرن العشرين كانت سبباً في ما وصلنا إليه الآن من مواجهة شاملة مع هذه القوى الإرهابية، فعندما ظن الرئيس السادات أنّ بإمكانه القيام بثورة مضادة لثورة 23 يوليو/ تموز 1952 يتخلص على أثرها من خصومه السياسيين من الناصريين والشيوعيين فاستعان على الفور بخصمهم العنيد جماعة الإخوان المسلمين فأخرجهم من السجون والمعتقلات وأطلق سراحهم لمواجهة هؤلاء الخصوم، لكن هذه المواجهة انتهت باغتياله شخصياً بعد أن ظنّ أنهم فرغوا من مهمتهم التي أوكلها لهم، ثم جاء الرئيس مبارك ليسير في الطريق نفسها، حيث قرّر منذ البداية استمالة الجماعة وعقد صفقات تحتية معها، تمكنت على أثرها من التغلغل داخل بنية المجتمع انتظاراً للفرصة التي تمكنها من الانقضاض على السلطة السياسية وانتزاعها، وساعدتها على ذلك سياسات مبارك المنسحبة من الأدوار الرئيسية للدولة وتخليها عن مسؤوليتها الاجتماعية والاقتصادية تجاه مواطنيها، مما خلق فراغاً تمكنت هذه الجماعة وحلفاؤها من ملئه خاصة في الأحياء والمناطق الأكثر فقراً في الريف والحضر.
وفي أعقاب الإطاحة بالجماعة من سدة الحكم طرحنا مجموعة من الخيارات المتاحة أمامها، من خلال قراءة علمية نقدية في أدبيات الجماعة الفكرية، وحركتها التنظيمية، وتجاربها التاريخية داخل المجتمع المصري، وتوصلنا إلى ثلاثة خيارات متاحة أمامها في اللحظة الراهنة وهي: (إلى الأمام، والاعتذار عن الفشل وإعادة النظر في تجربتها والاندماج مرة أخرى في المجتمع بعد مصالحة تتمّ على أثرها معاقبة من أخطأ)، والخيار الثاني هو: (إلى الخلف، وخوض مواجهة مفتوحة مع الجميع المجتمع والدولة والسلطة السياسية، وهذا خيار اللاعودة فإما الانتصار باستخدام الإرهاب على الشعب والدولة والحكومة، أو الانتحار). والخيار الثالث هو: (في المكان، واتباع مبدأ التقية والعودة مرة أخرى لعقد صفقات وتحالفات مرحلية ومؤقتة مع السلطة السياسية، كما كان يحدث في الماضي، وهي لعبة تجيدها الجماعة تاريخياً، بل هي جزء من عقيدتها حيث اتقاء شر السلطة السياسية حين تكون الجماعة في مرحلة استضعاف، وهو ما تمّ على مدار حكم مبارك، ثم انتهاز الفرصة للانقضاض عليه والإطاحة به والجلوس محله، وهي المرحلة التي تعرف بمرحلة الاستقواء والتمكين).
وكنا قد أكدنا أنّ كلّ الشواهد والأدلة والبراهين تشير إلى أنّ الجماعة تسير بالفعل في اتجاه اللاعودة أيّ الخيار الثاني إلى الخلف. فالجماعة قد حسمت أمرها وقررت خوض معركة إلى الخلف للنهاية، وذلك من خلال تحالفها مع باقي الجماعات الإرهابية التي خرجت من تحت عباءتها والتي تطلق على نفسها مسمّيات مختلفة – سلفية وجهادية وغيرها – حيث أعلنوا النزول ضدّ الشعب والدولة والسلطة السياسية في مواجهة شاملة سيقومون من خلالها باستدعاء كلّ الحيل التاريخيّة لقوى الإسلام السياسي التي استخدمت من أجل الوصول إلى السلطة والسيطرة على مقاليد الحكم باسم الله والدين – والله والدين منهم براء – لكن الجديد في الأمر هو استخدام الجماعة وأعوانها حيلاً جديدة حيث استخدمت المنصات الإعلاميّة في الخارج سواء في تركيا أو قطر، وشكلت كتائب إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي تعمل على مدار الساعة لنشر الفتن والأكاذيب وتضخيم الأحداث الصغيرة، والدعوة الدائمة للخروج والتظاهر، وإشاعة الفوضى.
ولم تنجح كلّ هذه الحيل على مدار السنوات السبع الماضية، حيث وقف الشعب داعماً للسلطة السياسية في المواجهة الشرسة مع الجماعة الإرهابية من أجل الحفاظ على مؤسسات الدولة وتحقيق الأمن والاستقرار لبنية المجتمع، وهو ما أجبر الإدارة الأميركية على التراجع عن دعم هذه الجماعة الإرهابية بغضّ النظر عن من يجلس في البيت الأبيض سواء كان من الديمقراطيين أو الجمهوريين، لذلك فتعويل الجماعة الإرهابية على وصول الديمقراطيين للبيت الأبيض وهم كبير، فلن يستطيع جو بايدن وإدارته تغيير الأمر الواقع في مجتمعنا المصري، فقد انكشفت الجماعة الإرهابية أمام جموع المصريين الذين يقفون خلف قيادتهم السياسية في مواجهاتها للإرهاب، وعلى السلطة السياسية إحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية وسياسية جذرية لتحسين أوضاع الغالبية العظمى من المصريين صمام الأمان أمام كل المؤامرات الداخلية والخارجية، اللهم بلغت اللهم فاشهد.