الفائزون والخاسرون في سباق الحياة!
} د. فايزة حلمي*
مجتمعاتنا لديها ميول متقدّمة لتسمية بعض الأشخاص بـ «الفائزين» والآخرين؛ منطقياً بما فيه الكفاية بـ «الخاسرين»، وبصرف النظر عن الدلالة الواضحة لهذا التصنيف، فإنّ المشكلة الأساسية في ذلك هي الإيحاء القائل بأنّ الحياة قد تكون سباقاً فردياً موحداً، وفي النهاية إلى أيّ منهما؛ يمكن للمرء أن يصنّف بدقة جميع المنافسين من الأعلى إلى الأدنى. ومع ذلك فإنّ الحقيقة الأكثر إرباكاً وتعقيداً هي أنّ الحياة تتكوّن حقاً من عدد من السباقات التي تتكشف في وقت واحد.. خلال مجالات مختلفة جداً ومع أنواع مختلفة من كؤوس وميداليات زوايا رؤية. هناك بالطبع سباقات على المال والشهرة والمكانة، وهذه تجذب الكثير من المشاهدين، وفي بعض الدوائر الاجتماعية، لها الجزء الأكبر من الأهمية .ولكن توجد أيضاً سباقات تقيس أنواعاً أخرى من البراعة تستحق التبجيل، هناك سباق لِمن يمكنه أن يظلّ أكثر هدوءاً في مواجهة الإحباط، هناك سباق لِمَن يمكن أن يكون الأكثر لطفاً مع الأطفال، هناك سباق يقيس لأيّ مَدى تكون موهبة شخص في الصداقة، هناك سباقات تركّز على مدى انتباه الشخص إلى سماء المساء، أو مدى جودته في استخلاص السعادة من ثمار الخريف.
بالرغم من حماسنا لتصنيف المنافسين إلى صفوف بارعة، إلا أنّ الحقيقة المذهلة حول حدث الحياة متعدد السباقات. هي، بكلّ بساطة، أنه لا أحد قادر نهائياَ على الفوز في كلّ أنواع المنافسة المتاحة، علاوة على ذلك، يبدو أنّ البراعة في نوع واحد من المنافسات، تعيق فرص نجاح المرء في المنافسات الأخرى. فإنّ الفوز بالنجاح في الأعمال التجارية، على سبيل المثال، لا يسير بشكل عام جنباً إلى جنب مع أيّ قدرة حقيقية في السباق لتقدير السماء أو الاستمتاع بالتين. أولئك البارعون في اكتساب الشهرة يميلون لأن يكونوا مكبوحين، عندما يتعلق الأمر بالمنافسة في السباق الذي يقيس القدرة على التحلي بالصبر حول الأطفال الذين يبلغون من العمر ثلاث سنوات وكثيري التفكير ولكن غير واثقين من أنفسهم. لا يمكننا، على ما يبدو، أن نكون فائزين في كلّ شيء، أولئك الذين يبدو أنهم يحملون جميع الجوائز وتتمّ الإشادة بهم في بعض الأوساط باعتبارهم رياضيين خارقين في الحياة لا يمكنهم، عند الفحص الدقيق أن ينتصروا في جميع المجالات بأيّ طريقة من هذا القبيل، لا بدّ أنهم يتسبّبون في فوضى عميقة لبعض الأجناس الأقلّ شهرة أو المرموقة التي دخلوا إليها؛ في زوايا معينة من الملعب، سوف يسقطون، يتعثرون، ويشتكون بصوت عالٍ من ظروف المضمار، وربما يشوّهون سمعة الحدث بأكمله على أنه عديم الفائدة ولا يستحق المشاركة فيه.
إذا لم يستطع المرء أن يكون فائزاً في كلّ شيء، فهذا يعني أنه لا يمكن للفرد أن يكون خاسراً في كلّ شيء أيضاً. عندما نفشل في بعض السباقات في ميل أثلون الحياة، فإننا نحتفظ بفرص كثيرة للتدريب وتطوير قوّتنا للفوز في سباقات أخرى. قد لا نتمكّن أبداً من التنافس مرة أخرى في السباق على الشهرة أو الشرف أو المال، ولكن لا يزال الأمر مفتوحاً لنا تماماً للتنافس في السباق من أجل اللطف والصداقة والتسامح. قد نفوز حتى في السباق غير المهمّ للاستمتاع برفقة المرء أو النوم بهدوء شديد وبدون قلق لساعات طويلة في الشمس. لا يوجد شيء اسمه فائز أو خاسر في حدّ ذاته، يوجد فقط شخص فاز في بعض المجالات وفشل في مناطق أخرى وللتعمّق أكثر، فإنّ الشخص الذي تعني موهبته الفوز في نوع واحد من السباق أنه يمكن أن يفشل بشكل طبيعي وحتمي تقريباً في البدائل، والعكس صحيح. نحن لا نفشل بشكل صارخ في الحياة نفسها، عندما نفشل في مناطق دنيويّة ونشعر بالحزن والعزلة، يمنحنا الكون فرصة استثنائية لبدء التدريب مما يعني أننا سنصبح يوماً ما نجوماً رياضيين في سباقات أخرى أقلّ شهرة ولكنها مُهمّة للغاية؛ سباقات حول الحفاظ على روح الدعابة، إظهار الامتنان، التسامح، التقدير. هذه هي المسارات النبيلة حيث يمكن في النهاية لأولئك الذين «فشلوا» وبشكل صحيح وتعويضي أن يتعلّموا «الفوز».