في ذكرى انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران
} د. أسعد تركي سواري*
لا يمكن لأيّ مفكر واعٍ ومستنير أن يغضّ الطرف عن عملية الإلهاء والتجهيل والتسطيح الممنهج الذي تتعرّض له الإنسانية من قبل قوى الاستبداد والاستعباد والاستكبار والاستهتار العالمي التي تتمظهر أحياناً على شكل أنظمة سياسية وهيئات اقتصادية وحركات دينية ومؤسسات إعلامية، ومما لا يُخفى على غالبية القوى الواعية في الإنسانية بأنّ تقديم الأنموذج القدوة في المجتمعات البشرية هو الركيزة الأساس لتوجيه تلك المجتمعات باتجاه ما يتبناه ذلك الأنموذج القدوة، فتتحشد طاقات وقدرات وملكات تلك المجتمعات لمحاكاة وتقليد ذلك الأنموذج القدوة ليغدو حلم الأجيال ومحط أنظارهم ومحلّ اهتماماتهم بعد تسليط الضوء الإعلامي الكافي ليجعله المثل الأعلى الذي تتبناه المجتمعات.
وقد كانت أحدث صيحات وأدوات هذه القوى الضالة والمضللة هو برنامج لاستقطاب المجتمعات وإلهائها عن المشاكل الأساس التي تعاني منها الإنسانية، وهو برنامج متعدد الجنسيات، ففي كلّ دولة نسخة من ذلك البرنامج يتمّ تقديمه وإنتاجه بلغة ذلك البلد، وهي قرينة أخرى بأنّ مَن يقف وراء هذه البرامج وأمثالها قوى دوليّة ﻷهداف معلومة.
ومما أثار استغرابي وكان دافعاً آخر لكتابة هذا المقال هو أنّ الفكرة الأساس التي يقوم عليها هذا البرنامج هو وجود لجنة من الخبراء المختصين فنياً يقومون باختيار مجموعة من المواهب التي تتمتع بقدرات فنية معينة فتقوم بغربلتها وتصفيتها وتدريبها، وينتهي دورها بعد اختيار أفضل المواهب لعرضها على استفتاء الجماهير التي ستكون لها الكلمة الفصل والحكم النهائي لتحديد الأنموذج المثالي والموهبة الأفضل, وهذه الآلية هي ذاتها التي يعتمد عليها النظام السياسي الإسلامي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إذ يخضع المرشحون لرئاسة الجمهورية إلى مجموعة من الشروط والمواصفات اللازمة لتولي هذه المسؤولية الخطيرة، فيتمّ اختيار أفضل المرشحين من لدن اللجنة المختصة ليتمّ عرضهم على الجماهير التي تكون لها الكلمة الفصل في تحديد المرشح الفائز الذي سيتولى زمام مسؤولية رئاسة الجمهورية، وفق الدستور المستفتى عليه من لدن الجماهير أيضاً، بل وحتى منصب الولي الفقيه القائد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية يكون اختياره مع إمكانية عزله من لدن مجلس خبراء القيادة المنتخب من الجماهير بصورة مباشرة، وبذلك يتضح لكلّ منصف ولبيب بأنّ جميع السلطات الحاكمة في النظام السياسي الإسلامي وأنموذجه المعاصر الأوحد حالياً، هي سلطات منتخبة بشكل مباشر أو شبه مباشر، لتنتفي بكلّ موضوعية شبهات التسلط والدكتاتورية عن هذا النظام الفريد الذي أضحى حلماً وأنموذجاً يطمح له الكثير من الأحرار في الإنسانية، لا سيما في قدرته على مواجهة القوى الإمبريالية وتحقيقه لسيادته الوطنية والاكتفاء الذاتي فضلاً عن المنجزات العلمية والعسكرية والفضائية والتكنولوجية والنووية بما لا يُخفى على أحد، وجواباً على الإشاعات الأكثر شهرة حول نظام ولاية الفقيه، وهي عدم تخصص رجال الدين في العلوم السياسية وأنظمة الحكم، بما يجعلهم عاجزين وقاصرين عن تولي زمام المسؤولية في قيادة الدول والأنظمة السياسية، ويمكن الإجابة على هذه الشبهة، بأنّ هذه الإشكالية يمكن إثارتها على أشهر وأغلب الحكام والقادة على مرّ التاريخ، ذلك أنّ أغلبهم، إنْ لم يكن جميعهم، من غير المتخصّصين في العلوم السياسية الأكاديمية، كما يمكن القول بأنّ المهامّ الأساس والوظائف الرئيسة التي تقع على عاتق القيادة العليا، تتمثل بأربع وظائف هي:
1 ـ وضع الخطط الاستراتيجية لمختلف حقول ومجالات الحياة والمتطلبات الإنسانية انطلاقاً من المنظومة الفكرية والعقائدية والفلسفية التي تؤمن بها القيادة وتعتنقها.
2 ـ اختيار الصالحين والأكفاء والأمناء لتولي مسؤولية تنفيذ هذه الخطط الاستراتيجية.
3 ـ وضع الآلية المناسبة والفعّالة لمراقبة مدى ومستوى تطابق التنفيذ مع الخطط الاستراتيجية الموضوعة .
4 – وضع الآلية المناسبة والفعالة لمراقبة مدى بقاء المسؤولين الصالحين، الذين تمّ اختيارهم، على صلاحهم ونزاهتهم لضمان عدم انحرافهم وانجرافهم في منزلقات ومغريات السلطة .
بذلك يتضح بأنّ أولى وأكفأ من يتولى أداء مهام القيادة العليا هي المرجعية الدينية العادلة الجامعة للشرائط والخبيرة بأمور عصرها والمتجسّدة اليوم بولاية الفقيه العادلة…
*كاتب وباحث عراقي.