هل يكون عدم تأليف الحكومة القشة التي ستقصم ظهر الدولة؟
} علي بدر الدين
يُحكى أنّ تاجراً عربياً كان يجوب البلدان ببضاعته على ظهر بعير يملكه ليبيعها في الأسواق، وذات يوم سفر، خطرت على باله فكرة شيطانية، واستبدّ به الطمع والربح الكثير، ولتحقيق ذلك، لا بدّ من زيادة الحمولة من البضائع، وهذا ما حصل، وقد ساوت حمولة خمسة جمال على ظهر جمل واحد، الذي بدأ يرتجف تحت ثقل هذه الحمولة، التي تفوق قدرته على التحمّل. غير أنّ صاحبه، التاجر الجشع والطماع، لم يأبه لحال جَمَلِه أو يشفق عليه ويرحمه، بل قرّر إضافة كومة من القش (التبن وهو طعام للجمل) على الحمولة الزائدة في الأساس. وقام بفعلته القاسية على مرأى من الناس الذين تجمّعوا لرؤية ما يحصل، او الذين يعبرون وينظرون بعجب ودهشة لصنيع التاجر غير المألوف، وخارج الرأفة والإنسانية. حاول كثيرون ثنيه عن فعلته، والكفّ عن زيادة حمل الجمل المسكين، من دون جدوى، وما أن وضع القش على ظهره حتى فقد توازنه وتهاوى أرضاً، وكما يقول المثل «لا من تمّو ولا من كمّو».
اعتقد البعض خطأ، أنّ القش هو الذي قصم ظهره، والحقيقة أنّ الحمولة الزائدة والثقيلة والطمع والجشع مجتمعة هي من قصمت ظهره.
الأمثلة، والشواهد كثيرة أمام الشعب اللبناني، الذي تحكمه طبقة سياسية منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهي نسخة طبق الأصل عن هذا التاجر، ومن مدرسته، وكأنها تتلمذت على يديه، وانتهجت طريقته وأسلوبه في إدارة شؤون البلد والناس بعقلية التاجر الجشع الذي لا همّ له أو عنده، سوى مصلحته الخاصة وزيادة أرباحه، وتراكم ثرواته، حتى لو أدى ذلك إلى تهاوي الوطن والدولة وإفقار الشعب وتجويعه، وموته البطيء.
إنّ الطبقة السياسية والمالية والسلطوية، حملت اللبنانيين فوق طاقتهم وإمكانياتهم، ولم ترأف بحالهم، ولم تستمع إلى صوت الضمير ولا إلى الرحمة والرأفة والشفقة، ولا إلى نداءات الاستغاثة والنجدة من الشعب، ولا من دول قريبة وبعيدة تدعي الحرص على لبنان وشعبه، وتحذر الحاكمين من تداعيات تحميل هذا الشعب، ما لا قدرة له على التحمّل، ويكفيه ما حمله، من فساد ونهب وتحاصص وحروب وصراعات، واحتكار وقمع واستبداد وتسلط وغلاء وانهيارات اقتصادية ومالية ونقدية واجتماعية ومعيشية وصحية ومؤسساتية، وآن له أن يتخلص من هذه الحمولات الزائدة التي فعلاً قصمت ظهره، و»كرسحته» وحوّلته إلى متسوّل ومعدم، لا حول له ولا قوة ولا عمل.
المؤشرات الواضحة، والنتائج الكارثية، والتداعيات المأسوية تؤكد أنّ هذه الطبقة، لم تتعظ ولم تكتف، ولم تشبع، وبدلاً من الاكتفاء بما حققته سياسياً وسلطوياً وتحاصصياً ومالياً، فإنها تواصل سياسة الإمعان بالضغط على هذا الشعب الذي يموت جوعاً أو مرضاً، وإما ذلاً وقهراً. وفوق ما حملته للشعب، تضيف مماحكاتها وتجاذباتها ونزاعاتها وتناتشاتها حول تأليف الحكومة، بعناوين الصلاحيات الدستورية والميثاقية وحقوق الطوائف والمذاهب والمصالح، ومن يسمّي هذا ويرفض ذاك، وهذه الحقيبة من حقي وليست من حقك، إلى آخر المعزوفة التافهة، التي أرست قواعد جديدة في طريقة تأليف الحكومات في لبنان، بإبداع غير مسبوق للمنظومة السياسية والمالية الحاكمة، التي يجب أن تدرّس في مدارس العجز والفشل والقصور، واستباحة الحقوق وانتهاك الكرامات وحرمان الشعب من حقوقه كإنسان، والتي كفلتها الرسالات السماوية قبل غيرها من منظمات وجمعيات وقوانين حقوق الإنسان.
القاصي والداني في الداخل والخارج والعالم والجاهل والناجح والفاشل، والفقير والثري، على معرفة وعلم واطلاع، على ما تختلف عليه هذه الطبقة، وما هي أهدافها في السياسة والسلطة والمصالح القريبة والبعيدة ومن يعرقل تأليف الحكومة، إنْ على المستوى المحلي أو الخارجي، وكلّ فريق منها، يغني على مصالحه، وينام على حرير أحلامه وتحقيقها، وانها بمعظم مكوّناتها تستمرّ في» الكباش» و»عضّ ألاصابع» و»شدّ الحبال»، بانتظار من يصرخ أولاً، ومن يتنازل قبل غيره، ومن هو القادر على حصد جمهور أكثر وتعبئة بيئاته المذهبية والطائفية، استعداداً ربما لما يخططون له أو من دون تخطيط.
إنّ تحميلها الضغوط والأزمات والأعباء الإضافية لهذا الشعب الذي يعاني كثيراً، كما لم يعانه من قبل، أو أي شعب آخر سيؤدّي حكماً إلى اهتزاز الأوضاع وتهاوي الوطن وموت الشعب، لكن جرّتها لن تسلم هذه المرة، ولن تكون بمنأى عن المساءلة والمحاسبة والعقاب، لأنّ استمرارها بتجاهل حق الشعب، وحماية الوطن هما بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وستهتز فرائصها، وتقصم ظهورها قبل ظهور اللبنانيين.
الفرصة الأخيرة لا تزال متاحة أمامها، ومن الخطأ والخطر تضييعها، والرصاصة لا تزال في جيوبها، ولا خيار لها سوى تأليف الحكومة، إذا كانت تملك قرارها، وإلا عليها مصارحة شعبها بالحقيقة المرة والصدق معه، ولو لمرة واحدة، ولتوجَّه الأصابع مباشرة إلى من يعرقل التأليف داخلياً وخارجياً، بدلاً من تقاذف المسؤوليات والاتهامات على «بو جنب» لإشغال الناس وإلهائهم بالخزعبلات والأوهام والأكاذيب.