مبادرة الرئيس برّي الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان.. ماذا عن طرح العشرين وزيراً؟
} محمد هاني حمية
لم يصِل حجم الأزمة الحكوميّة منذ تكليف الرئيس سعد الحريري كما وصل اليوم. انسداد باب الحلول الداخلية واشتباك سياسيّ على جبهة بعبدا – بيت الوسط اتخذ منحى طائفياً ترافق مع جمود الجهود الخارجيّة لا سيّما الفرنسيّة.
في ظل هذا الواقع المأزوم، يقِف رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحيداً في معركة انتشال الحكومة من شرنقة المعارك السياسية والمصالح الشخصية وإنقاذ لبنان من الانهيار الاجتماعي والاقتصادي الكبير والمحتوم.
فالعاملون على خطوط مفاوضات التأليف يؤكدون بأن كل جهودهم باءت بالفشل وأن مبادرة الرئيس بري الوحيدة القائمة والتي لا زالت على قيد الحياة ويُمكِنها تجسير الهوّة بين رئيسي الجمهورية والمكلّف. ووفق معلومات «البناء» فإن الوسطاء أعادوا النقاش في مبادرة رئيس المجلس للتوصل إلى حلٍ وسطي بالتزامن مع جهود إطفاء النيران التي اشتعلت مؤخراً بين بعبدا وبيت الوسط والعودة إلى التهدئة الإعلامية.
وتدعو مبادرة رئيس المجلس إلى تأليف حكومة من وزراء اختصاصيين غير حزبيين على قاعدة «ليسوا معنا وليسوا ضدنا»، ولا يملك أحد الثُلث المعطل.
فما هي الترجمة العملية لهذه المبادرة؟ وهل يركُن عون والحريري إليها كمنطلق لاستئناف المفاوضات لاستيلاد حكومة بأسرع وقت ممكن؟
بحسب ما يقول المطلعون على فحوى المبادرة لـ»البناء» فإنها تَجمع في بوتقة واحدة روح المبادرة الفرنسية وطموح الرئيسين عون والحريري وتُلبي شروط المجتمع الدولي لدعم لبنان مالياً. أي أن يكون أعضاء الحكومة من ذوي الاختصاص والكفاءة ولا ينتمون لأحزاب أو قوى سياسية في توازن مريح للجميع وفق معادلة 6 لرئيس الجمهورية وحلفائه في تكتل لبنان القويّ بمن فيهم الطاشناق و6 لرئيس الحكومة وحلفائه من رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط والرئيس نجيب ميقاتي و6 لثنائي أمل وحزب الله وحلفائهما في المردة والقومي. أي أن لا ينتمي الوزراء إلى أحزاب لكن شرط ألا يكونوا ضدهم، وبالتالي يقترح كل حزب أو تكتل لائحة أسماء على أن يختار الحريري منها وعلى أن لا يملك طرف واحد حق تعطيل الحكومة وقراراتها.
وبحسب المطلعين فإن المبادرة استحّوذت على موافقة كافة الأطراف بمن فيهم رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر الذين أبلغوا الرئيس بري عبر قنوات مشتركة بأنها تشكل المدخل الأساس للحل قبل أن يعودوا ويعدلوا موقفهم بالحديث عن معايير موحدة. كما أن الحريري أعلن موافقته سريعاً بقوله أضع أوراقي بيد الرئيس بري.
لكن هل لا زالت مبادرة رئيس المجلس صالحة في ظل التصعيد السياسي الدرزي بعد اجتماع خلدة ووضع اقتراح رفع عدد الحكومة إلى 20 قيد التداول؟
تُشدّد أوساط مطلعة على موقف عين التينة لـ»البناء» بأن رئيس المجلس لن ييأس ولن يستكين للأمر الواقع بل يعمل بعيداً عن الأضواء واضعاً مبادرته في متناول أيدي الجميع للبناء عليها بتأليف حكومة سريعة منطلقاً من مبادرته من دوافع عدة أهمها إبقاء جسور التواصل والحوار وتحصين لبنان من الوقوع في منزلقات خطيرة ومنع الانهيار الذي يُحذر منه الجميع. كما أنه وبحسب الأوساط فإن مبادرة بري تحظى بموافقة ودعم الفرنسيين وتتكامل مع المبادرة الفرنسية أو تُشكل ترجمة عملية وواقعية لها. كما تشكل تقاطعاً دولياً إقليمياً داخلياً أي أنها تُريح كافة الأطراف الخارجية المؤثرة في المشهد اللبناني لا سيما الأميركيين الذين يرفضون ربط الملف اللبناني بالتفاوض مع إيران.
وتكشف الأوساط أن المبادرة لا زالت صالحة وأساساً صالحاً للتوصل إلى حل بمعزل عن الصيغ والطروحات وعدد الوزراء طالما أن بري ألبس مبادرته معايير ومواصفات ثابتة وواضحة، والمعيار الأساس عدم نيل أي طرف الثلث المعطل ثابت في أي صيغة حكومية. وعلمت «البناء أن الرئيس بري أجرى جولة مشاورات مع كافة الأطراف وتجمعت لديه كافة المطالب والصيغ والطروحات لا سيما أن بيان اجتماع خلدة طالب الرئيس بري بإنصاف الدروز ومن ضمنها اقتراح توسيع الحكومة الى عشرين وزيراً. وفي هذا السياق جاءت زيارة جنبلاط إلى عين التينة للبحث مع الرئيس بري في هذا المقترح لا سيما أنه سيرفع عدد تمثيل الدروز الى وزيرين، حيث جرى البحث في لقاء بري – جنبلاط بكافة الطروحات وكيفية الخروج من الأزمة، إلا أن حسب معلومات «البناء» الحريري وجنبلاط يرفضان حتى الساعة صيغة العشرين وزيراً لأنها ستمنح رئيس الجمهورية الثلث المعطل وتمنح مقعداً للنائب طلال أرسلان، رغم أن هذا الطرح لم يسقط ولا يزال محل نقاش ويمكن الموافقة عليه بطريقة لا ينال عون الثلث المعطل.
فمبادرة الرئيس بري قد تكون الأخيرة لإنقاذ لبنان قبل الانفجار الاجتماعي الكبير الذي تتجمع مؤشراته وظروفه من تفاقم الأزمات المتعددة ولا سيما الارتفاع بسعر صرف الدولار الذي قفز فوق سقف الـ9000 ل.ل مساء أمس.
ويبقى السؤال هل يتلقف المعنيون بالتأليف وفق مبادرة بري الإنقاذية أم يبقون مصرّين على مواقفهم ومتمسكين بالحقائب والحصص والثُلث؟ فما هي الخيارات البديلة التي يراهنون عليها؟ فهل يبقى بلد في لحظة الانفجار كي يبقى ثلثٌ ونصفٌ ومناصفة ومثالثة؟