الوطن

هل ينفجر الصراع الأميركيّ – التركيّ انطلاقاً من أربيل؟

} د. وفيق إبراهيم

كردستان خط أميركيّ أحمر يشكل الخط الذي يقسم العراق الى طوائف وقوميات.

هنا أراد الأميركيون تأسيس حركتهم في المحور السوري العراقي بما تشكله من ربط بين جزيرة العرب وبلاد الشام وإيران وتركيا.

وكان لهم ما أرادوا من دفع العراقيين نحو الانفصال بين شمال ووسط وجنوب مع دعم تشكيل آليات حزبية شديدة التناقض مرتبطة بالأميركيين والسعوديين والأكراد والإسرائيليين والإماراتيين حتى باتت مناطق العراق مسرحاً للتدخلات الإقليمية من كل الأنواع ما أنتج كياناً كبيراً وقوياً متحالفاً مع إيران يمسك تقريباً بمعظم السلطة السياسية مقابل كانتونات سياسية تحظى بتأييد الأميركيين والسعوديين والإماراتيين، وذلك باستثناء اقليم كردستان شبه المستقل على مستوى الجغرافيا السياسية والعسكرية والاقتصادية والمدعوم أميركياً وخليجياً وإسرائيلياً.

هناك اذاً صراع أميركيتركي حول أربيل سببه المباشر مقتل 11 جندياً تركياً اختطفهم مسلحون أكراد وقضوا عليهم، اما السبب الأساسي فهو أن تركيا لا تقبل بدولة كردية عند حدودها تحرّك نحو 15 مليون كردي تركي ينتظرون فرصة صغيرة لطلب الاستقلال عن الأتراك.

وكذلك إيران المجاورة التي تخشى بدورها من انتفاضة نحو 6 ملايين كردي إيراني على أراضيها.

تركيا اذاً في قلب معمعة أربيل، تلقت الصفعة الكردية ولم تجب على الطريقة التركيّة العنيفة واكتفت بتصريحات مترافقة مع طلقات نارية طائشة ربما أصابت بعض المارة.

اما سبب هذا التعقل التركي فهو الرئيس الأميركي الجديد بايدن الذي لم يعرض خطته الشرق أوسطية بعد. ما يفرض على الجميع باستثناء حزب الله انتظاره. وهذا ما فعلته تركيا التي تتحيّن فرصة جديدة للانقضاض على الأكراد في أربيل ومجمل كردستان.

كردستان اذاً في مرحلة انتظار صراعات رباعية بين إيران وتركيا وأميركا مع بعض المتطفلين الإسرائيليين والخليجيين.

انما الى متى بوسع إيران وتركيا الانتظار فيما يدعم الأكراد يومياً مواقعهم في كردستان ويصادرون نفوط المنطقة ويتجهّزون بالسلاح الإسرائيلي وأموال الإمارات والسعودية ويعملون على تحضير أكراد سورية وتركيا لمهام قريبة.

أما أكراد إيران فلا يقترب منهم البرزاني «حالياً» لأنهم ليسوا «حاضرين».

تكفي الإشارة هنا الى ان الإيرانيين والأكراد هم اولاد عمومة لديهم تقريباً لغة واحدة ويجمعهم بالألمان عرق واحد، كما كان يقول هتلر.

الصراع على كردستان هو اذاً أميركيتركيإيراني تتداخل فيه عناصر إسرائيلية وخليجية، لكنه مصاب حالياً بجمود ارتباطاً بالجمود الذي يعتري سياسات بايدن، فهذا الاخير لا يزال في طور التحضير لسياساته العالمية بما يشمل كردستان بالطبع.

لكن هذا الصبر التركيالإيراني لا يستطيع ان ينتظر طويلاً ومعه ايضاً دولة العراق التي ترى ان الفرص متوفرة لحركة ما في الإقليم الكردستاني المتمرد بهدف إضعافه او إثارة خلافات بين مكوناته.

فهل ينفجر الوضع هناك؟ هذا الانفجار قد يرتدي شكل صراعات إيرانية تركية مع الاكراد على شكل اشتباكات متقطعة في معظم نواحي الإقليم. فهل يسمح الأميركيون بهذا المدى؟ وهل يصمت الاسرائيليون والخليجيون بدورهم ويتركون الوضع على غاربه.

الحقيقة أن أصحاب المصلحة باستعادة كردستان الى العراق الأم هم العراقيون ومعهم الإيرانيون وثالثهم الأتراك. إلا أن الأميركيين يعتبرون الموضوع الكردي جزءاً اساسياً من حركتهم في الاقليم وطريقة لاستنزاف قوة العراق. كما يرون أن الأكراد في سورية امتداد طبيعي للأكراد العراقيين ووسيلة لإضعاف سورية وتفتيتها.

هناك اذاً تناقض أميركي مع إيران وتركيا والدولة العراقيّة، فكيف يمكن ضبط هذا التناقض؟

لا شك في أن الرئيس بايدن عاكف على البحث أفضل الوسائل لمزيد من الاستثمار بالأكراد انطلاقاً من مجاورتهم لإيران وتركيا ودولة العراق من جهة الوسط، فهم تقريباً يشكلون الفئة الوحيدة القابلة للاستثمار الأميركي من دون أي ممانعة. لذلك يتوقع الخبراء أن الصراع على كردستان بين المثلث التركي الإيراني الأميركي ذاهب الى تصاعد ويبدو أن دولة العراق لن تبقى صامتة على هذا الموضوع وتعتقد أن بإمكانها تحريك مجموعات موالية للدولة تؤدي دوراً إيجابياً في هذا الصدد.

ويرى العراقيون أن اشتداد الدور الروسي في شرق سورية من شأنه تعزيز الدور السوري في العراق وشرق الفرات دافعاً نحو تأسيس حلف سوريعراقي قادر على أداء دور إقليمي واسع، لكن المشكلة هي أن الأميركيين لن يقبلوا بهذا الأمر لأنه يصيب بقرتهم الحلوب في جزيرة العرب من قطر الى السعودية.

هناك اذاً مشروع صراع عنيف لا يزال كامناً بين إيران وتركيا وأميركا والعراق لكن شروطه وظروفه موجودة.

المعتقد في هذا المضمار أن تراجع الأميركيين في شرق الفرات هو العامل الأساسي الذي يشجع العراق وإيران وتركيا على إنهاء إقليم كردستان بضربة قاضية فيستعيد العراق بذلك إقليمه الفار وتستكين تركيا من الخطر الكردي وتصمت إيران كجاري عادتها.

هناك مشكلة تركية تجعل أردوغان لا يتجرأ على هذا الأمر وهي أن تركيا تنشر قوات ضخمة في محيط قبرص واليونان والبحر المتوسط وليبيا ولديها قوات في اليمن تعمل تحت مسمّى حزب الإصلاح الاخواني. وهذا يجعلها تفكر كثيراً قبل الإقدام على أي خطوة في كردستان العراق. قد تحتاج لتغيير كبير في السياسة الأميركية حتى تتجرأ على اختراق كردستان على الرغم من انها موجودة في الكثير من هذه المناطق بدواعٍ أمنية او لإجهاض الارهاب.

كردستان اذاً ارض صراعات عميقة وأربيل مثلها. فهناك صراع نفطي سياسي عليهما ويحدد مصير هذه المناطق الاتجاهات الجديدة التي تقبع إدارة بايدن على رسمها في إطار تحديد حركتها في العالم.

السؤال هنا هو أن اميركا ترسم مشروعها العالمي، فهل تعجز روسيا عن ذلك؟

غن معركة شرق الفرات حاسمة في هذا المنوال ويبدو أن المنتصر فيها هو الذي يتولى معركة كردستان بالاشتراك مع الإيرانيين والأتراك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى