الستاتيكو السوري… تجميد الملفات حفاظاً على مكاسب الجميع
} سعد الله الخليل
انعقاد الجولة الخامسة عشرة من مباحثات مسار «أستانا» في مدينة سوتشي الروسية بمشاركة الدول الضامنة للمسار روسيا وإيران وتركيا، لمناقشة تطورات الأوضاع الأمنية والسياسية والإنسانية في سورية، بعد أسبوعين من اختتام الجولة الخامسة لمناقشة الدستور السوري بنتائج صفرية، وبالرغم من اختلاف المسارين في الشكل والمضمون إلا أنّ التعثر في تحقيق نقلات نوعيّة على الأرض، يؤكد أنّ كلّ الاجتماعات حول سورية مرتبطة بجوهر واحد، وإنْ بدا أنّ اجتماع «أستانا» يعقد مع تطورين بارزين عبر مشاركة دول الجوار السوري لبنان والأردن والعراق بصفة مراقبين، ووصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وضرورة أن يحمل إمكانية إحداث اختراقات في الحدث السوري، إلا أنّ الفرص الحقيقية في تطورات ملموسة لا يمكن رؤيتها في المدى المنظور لعوامل عدّة، مرتبطة في آن واحد بالأطراف السورية والدول الراعية لمسار «أستانا» والأطراف الدولية والأممية.
الإحباط الأممي من مسار المفاوضات الدستورية والذي عبّر عنه المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون بعد أسبوع من المحادثات طبيعي، بعد فشل الأطراف المشاركة من الاتفاق على منهجية للعمل، فشل يعكس حجم التباعد الدولي والإقليمي والمحلي، حيال التقدم بمسارات تؤسّس لحلّ الأزمة السورية، يرضي الأطراف كافة بدليل رفض الولايات المتحدة المشاركة بصفة مراقب في لقاء أستانا في مدينة سوتشي.
تدرك القيادة السورية بأنّ مسير مفاوضات اللجان المختلفة، في ظلّ الظروف الراهنة ستستمرّ ستة أشهر بحدّها الأدنى، وهي مدة كفيلة بتمرير الانتخابات الرئاسية، ولذلك أعلنت بأكثر من مناسبة عن إتمام الاستحقاق الدستوري في موعده المقرّر، بغضّ النظر عما ستؤول إليه نتائج مباحثات اللجنة من دستور جديد أو معدل للدستور القائم، وفي ذلك نقطة قوة تُضاف لموقفها في المفاوضات، خاصة أنّ الطرف المقابل مرّر الكثير من الوقت في ملفات رفض الخوض بها خلال الجولات الماضية، بدءاً من ملف مكافحة الإرهاب إلى ملف اللاجئين، والردود التي قدّمها لوفد الحكومة السورية في الجولة الرابعة تدلّ على رغبة في تسييس هذا الملف، وضبابية الموقف من الحركات الانفصالية، وبالتالي فإنّ وفد المعارضة الذي يُفترض أن يكون حريصاً على تسريع العمل على إتمام الدستور السوريّ بصيغته الجديدة، قبل الاستحقاق الرئاسي في حال امتلاكه النية الحقيقية لخوض الانتخابات، إلا أنّ القاصي والداني يدرك صعوبة إقدام الأطراف المعارضة على خوض الانتخابات، وبناء عليه فإنّ الانتخابات ستُجرى وفق الدستور الحالي.
الأطراف الإقليمية بدورها يبدو أنها ليست في وارد المضيّ في تسويات تخرجها من المعادلة السورية، وانعكاساتها الإقليميّة والدولية فطهران تترقب تصاعد الدخان الأبيض لسياسات الرئيس الأميركي الجديد حيال التعاطي معها، سواء إعادة الملف النووي الإيراني إلى سكة الالتزام بالاتفاق مع مجموعة خمسة زائداً واحداً، أو انفلات المارد النووي عن نطاق السيطرة الدولية، وهو ما لا يرغب به الرئيس الأميركي جو بايدن، وبالتالي لن تسعى طهران لخسارة ورقة الملف السوريّ في حال التسوية السياسية، في أيّ مفاوضات مقبلة قد تجد نفسها مضطرة للخروج من الملف السوري قبل العودة الأميركية للاتفاق النووي، أو على الأقل جلاء الموقف الأميركي في الحدّ الأدنى، بعيداً عن أولويات التحالف الاستراتيجي السوري الإيراني، الذي ربما لن يدخل في أيّ حسابات أو مساومات.
في المقلب الآخر فإنّ تركيا التي أوغلت قواتها في العمق السوري، وبالرغم من إحراجها عبر منصة أستانا بضرورة تفكيك الجماعات الإرهابية في الشمال السوري، إلا أنّ حساباتها في ظلّ الإصرار الأميركي على دعم الأكراد بشكل عام وقسد بشكل خاص، ليست في وارد تقديم خطوة تسهم في تسوية سياسية داعمة لحراك أية أطراف سياسية، في ظلّ الحديث عن تآكل وتهميش الائتلاف المعارض والذي يمثل منصة أنقرة السياسية، لصالح منصات أخرى يحضر لها دور في قادمات الأيام كمنصتي موسكو والقاهرة، وعجز آلياته على العمل في الداخل السوري تمكن أنقرة من تقديمه كواجهة سياسية مناسبة، مع سيطرة التنظيمات الإرهابية على المشهد، في مناطق سيطرة حلفاء أنقرة ورفض روسيا تقديم أدوار إضافية لأنقرة.
في ظلّ استبعاد أيّ تحرك عسكري في الفترة المقبلة لأيّ من الأطراف الفاعلة، يغيّر من التوازنات على الأرض السورية، ومع صعوبة التسليم بقاعدة لا غالب ولا مغلوب بعد عشر سنوات من الحرب، فإنّ حالة الجمود أو «الستاتيكو» القائمة منذ أشهر تعدّ الأنسب والأقلّ خسائر بالنسبة لخيارات المضيّ في التسوية السياسية أو الحرب العسكرية على حد سواء لكلّ الأطراف.
وحدهم السوريون الخاسر الأكبر من جمود يزيد من نزيف مقدراتهم في وطن فاقت خسائر بنيته التحتية 500 مليار دولار خلال سنوات الحرب، من دون أن تلوح في الأفق أيّ فرص حقيقية لوقفها أو إطلاق عجلة إعادة إعمار حقيقية في المدى المنظور.