ماذا تعني العودة إلى الاتفاق النوويّ الإيرانيّ؟
د. وفيق إبراهيم
ظروف العودة الى الاتفاق النوويّ تزداد ويرتفع معها احتمال بناء سلام عالميّ فعلي بين الدول الأقوى في العالم.
أسباب ارتفاع هذا التفاؤل هو انعقاد لقاء ليليّ بين أربعة من أعضاء الاتفاق هم فرنسا وبريطانيا والمانيا والولايات المتحدة للمرة الأولى منذ انسحاب الأميركيين من الاتفاق في 2016.
وبما ان روسيا متمسكة بعضويتها وإيران ايضاً فهذا يعني وجود احتمال كبير لإعادة العمل بالاتفاق النووي وفق ما نصت عليه شروطه الأساسية في 2015.
يبدو أن ظروف العودة ليست صعبة على الرغم من المحاولات السعودية الإسرائيلية لعرقلتها والضغط على الولايات المتحدة لعدم العودة.
وهذا سببه إصرار هذين البلدين على الاستمرار في اعتبار إيران عدواً للنظام الغربي العام وتحالفاته في الشرق الاوسط.
وكان الرئيس الأميركي السابق ترامب انسحب من الاتفاق النووي في 2016 بزعم أن إيران خرقته. لكن بقية الدول الأعضاء ومنظمة الطاقة الدولية لم توافق على ادعاءاته، ما أدى الى تعطيل العمل به في السنوات الاربع الأخيرة على التوالي وتحوّل الأمر نزاعاً أميركياً – إيرانياً دخلت فيه «إسرائيل» والسعودية والإمارات الى جانب الأميركيين لكن فرنسا وبريطانيا والمانيا ظلت تطالب إيران بالبقاء في عضوية الاتفاق الى جانب روسيا التي أعلنت منذ انطلاق الخلاف تأييدها القوي الى جانب إيران.
هو إذاً صراع سياسيّ يرتدي شكل خلافات تقنية، أما الأسباب فهي نجاح إيران في بناء تحالفات عميقة بدءاً مع أفغانستان مع قواها الرئيسيّة وصولاً الى نفوذ سياسي عميق في باكستان.
كما أن إيران تمكنت من التوغّل في الهند، حيث نجحت في بناء علاقات عميقة مع شيعتها ولم توفر اليمن، حيث نسجت واحدة من اهم العلاقات مع الحوثيين الذين يشكلون قوتها الأساسية وهزمت بالاشتراك معهم السعودية والامارات والبريطانيين والأميركيين في معارك لا تزال متواصلة.
كذلك فإن إيران دعمت العراق وأتاحت له فرصة الانتصار على الأميركيين وحلفائهم وداعش.
أما سورية فهي حكاية كبرى دعمت فيها إيران منع إسقاط الدولة السورية وساندت تمددها الى ثلاثة أرباع بلادها.
أما لبنان فتمكنت إيران من إسناد حزب الله بشكل أصبح فيه القوة الأساسية في محور كبير يقف في وجه «اسرائيل» وزبانيتها في المنطقة.
هذه الإنجازات هي السبب الأساسي للعداء الأميركي الغربي السعودي الإسرائيلي لإيران، وهي سبب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
فهل يمكن لإيران الرضوخ لإعادة التفاوض على نقاط تحالفاتها الممتدة من افغانستان الى لبنان؟
هناك معطيات تحول دون هذا الأمر.
اولاً الغرب يعرف ان تحالفات إيران أصبحت قوى وازنة مسلحة داخل بلدانها وليس سهلاً التصدي لها، كما أنه أصبح شبه مستحيل مهاجمتها من طريق «إسرائيل» او اي قوى عربية. اما لجهة المفاوضات حول وضعها فهذا عمل ميؤوس منه لأنها تقترب من الإمساك بدولها.
لذلك لا يتبقى أمام الأميركيين وتحالفاتهم إلا البحث عن وسائل جديدة «كامنة» تتدحرج نحو السياسة، أي أن يقبل الأميركيون بتسويات سياسية بين القوى المتحالفة مع إيران والقوى المحسوبة على الأميركيين انما ليس في إطار هدنات مفروضات بل اتفاقات تؤدي الى تسيير الأعمال العامة في البلاد وانتظامها.
فهل تؤدي العودة الى الاتفاق النووي الى انتظام الاعمال الداخلية في افغانستان واليمن والعراق وسورية ولبنان؟
يبدو ان الأمور ذاهبة الى هذا المنحى لانتفاء البديل خصوصاً أن طرفي الصراع لا يفكران أبداً بترك المناطق التي يرعونها في العراق وسورية وذلك لأهميتها الوطنية والإقليمية.
يتبين اذاً ان الاتفاق النووي هو اتفاق داخلي يمسك بالكثير من المناطق الداخلية للدول في الشرق الأوسط وهذا يجعله هاماً جداً ويصادر القوى الخارجية لهذه الدول أي يصبح بإمكانه استعمال الجهة التي يسيطر عليها في الصراعات الشرق اوسطية وهي ايضاً دولية تصبّ في مصلحة تزكية فريق آخر في صراعات الدول للسيطرة على أهم منطقة نفط وغاز في العالم.
فهل تنجح اللقاءات الأوروبية – الأميركية في التمهيد للعودة الى الاتفاق النووي كآلية تحول الصراعات الشرق أوسطية الى مشاريع اتفاقات وتجمّد لهيبها؟
هناك نقطة غامضة في هذا الاتفاق وتذهب الى التساؤل اذا كانت روسيا تقبل فعلاً العمل في اتفاق دولي يُقصي الصين عنه بما هي الأداة الفعلية للصراع مع الطرف الأميركي؟
هذه نقطة صعبة قد يجد الروس لها حلاً وهي اقتصار الاتفاق النووي على الموضوع النووي الإيراني حصراً على أن يبقى القسم الأكبر من العلاقات الدولية حراً وهذا من شأنه إعادة نسج علاقات صينية روسية إيرانية ترى أن بإمكانها اللحاق بالعملاق الأميركي وربما تجاوزه بعد مدة من الزمن.
العالم اذاً في أجواء الاتفاق الإيراني النووي يترقب نتائجه التي يبني عليها حركته المقبلة.
فإذا كانت الحركة الأميركية تريد جذب إيران من المحور الصيني الروسي، فإن الدور الروسي أخذ على عاتقه تجميد الدور الإيراني عند مندرجات الاتفاق النووي على أن يفسح المجال لحركة صينية – إيرانية روسية لن تتأخر في استكمال بناء منظومة تحالفات قد تشمل من الدول أكثر مما تعتقد الولايات المتحدة و»إسرائيل» والسعودية. بما يعني ان الاتفاق النووي لن يختزل الصراعات الدولية وقد يؤسس لصراعات دولية أكثر عمقاً وأشد عنفاً.