هل ستجري الانتخابات الفلسطينيّة في موعدها؟
سعادة مصطفى أرشيد _
تتالت مراسيم الرئاسة الفلسطينية المتعلقة بإجراء الانتخابات التشريعية التي حدّد موعدها المرسوم الأول في 22 أيار المقبل، ولحق بذلك مرسوم يقضي بتعزيز الحريات، وحظر الاعتقال السياسي، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين – بالطبع المقصود في غزة –، ثم صدر مرسوم ثالث يقضي بتخصيص مقاعد للمسيحيين في كلّ قائمة مرشحة. من جانب آخر لا يبدي الشارع الفلسطيني المنهك اهتماماً ملحوظاً بالانتخابات، فهموم المواطن لم تعد في كثير من الأحيان تتمثل بالقضايا العامة، بقدر اهتمامه بقضاياه المعيشيّة، وذلك إثر السياسات التي اتبعت لصناعة الفلسطيني الجديد، الفلسطيني الساعي وراء رزقه الشخصي، وقوته وعياله وقضاء أموره، مستوراً حسب تعبير العامة.
الفصائل بدورها أجمعت على المشاركة في الانتخابات، باستثناء حركة الجهاد الإسلامي، وكان آخرها الجبهة الشعبية، التي أعلنت عن مشاركتها، ورغم بيانها عالي النبرة، الذي أكد رفضها اتفاق أوسلو ومفرزاته، وعلى أنّ دورها مستمرّ كمعارض لسياسات (القيادة المتنفذة) في السلطة ومنظمة التحرير، ومع تلك الفصائل والأحزاب يجري العمل على تشكيل قوائم المستقلين، التي يبدو أنّ أكثرها حظاً وأهميّة، القائمة التي قيل إنّ رئيس الوزراء الأسبق الدكتور سلام فياض يسعى لتشكيلها.
لا تبدي الفصائل حراكاً أو اهتماماً استثنائياً في الانتخابات حتى الساعة، باستثناء فتح – الحزب الحاكم، ويلاحَظ ذلك، من خلال مراقبة النشاط الاجتماعي للطامحين من أعضائها في الترشح للانتخابات، ثم في المشاركة الواسعة في الأتراح والأفراح، وفي فعاليات مقاومة الاستيطان التي يشارك بها الإعلام، وكان آخر ما حرّر في هذا السياق، الحكم الذي أصدرته محكمة بداية نابلس في قضية رفعها متموّل فلسطيني على الحكومة الانجليزية، اذ نص قرار المحكمة على بطلان وعدم مشروعية وعد بلفور.
هكذا تبدو الانتخابات وكأنّ التنافس فيها يدور بين فتح وفتح لا بينها وبين الآخرين، حيث ترتفع حرارة المنافسة بين الكتل الفتحاوية التي أعلنت عن نفسها أو تلك التي يهجس العارفون بأنها قيد التشكيل والإعلان، ومن جانب آخر فإنّ كثرة الطامحين بالترشّح على قائمة فتح الرئيسة، يفوق عددهم عدد أعضاء المجلس التشريعي بأضعاف، وكلّ منهم لا يرى مَن هو خير منه.
تتواتر الأنباء عن أنّ القائمة الأولى من قوائم فتح هي قائمة اللجنة المركزية والرئيس، وبذلك تكون القائمة الرسمية، وعن قائمة التيار الإصلاحيّ (محمد دحلان)، التي تملك حظوظاً عالية في غزة وفي مخيمات الضفة الغربية، كما لدى جهات تمّ استثناؤها وإهمالها من قبل قيادتها، أو هكذا تظن، والأخبار ترد غير مؤكدة بخصوص قائمة قد يشكلها القائد الأسير مروان البرغوثي الذي يتمتع بشعبية استثنائية، والذي منحه نضاله وسجنه ما يحول دون اتهامه وطنياً او في قضايا فساد، كما بدا من حديث عضو اللجنة المركزية ناصر القدوة، خلال مشاركته في مؤتمر بحثي، ما يشير إلى أنه بصدد تشكيل قائمة، وأنه بكلّ الأحوال خارج القائمة الرسميّة، هذا عدا عن قوائم أخرى أقلّ أهمية ووزناً.
لكن يبقى التساؤل الأهمّ: هل ستجري الانتخابات؟ أم أنها رياح موسميّة لا تلبث أن تهمد وتعود الأمور إلى طبيعتها النمطية؟ عندما تتضح توجّهات السياسة الدولية والإقليمية، وان كانت الإدارة الأميركية ترى أنّ الحالة تحتاج إلى جولة مفاوضات جديدة، وهي في هذه الحال، لا بدّ أنّها تتطلّب إعادة إنتاج الشرعيات القديمة التي انتهت صلاحيتها، وإعادة تأهيلها من جديد، ثم ماذا عن نتائج انتخابات الكنيست (الإسرائيلي) في الشهر المقبل، والتي تشير إلى أنّ سيطرة اليمين لا تزال مستمرة.
يرى كاتب المقال أنّ الانتخابات لا تزال غير مؤكدة، ولا تزال العقبات تعترض إجراءها في المنظور من الأيام، وذلك لأسباب عدّة، نذكر منها ثلاثة :
أولاً: مع أنّ الأوروبيين مصرّون على إجراء الانتخابات، وقد أبلغوا السلطة أنهم سيخفضون من دعمهم المالي لها في حال عدم إجراء انتخابات، ولكنهم لا يملكون من القوة ما يمكنهم من الضغط على الحكومة (الإسرائيلية) من أجل إجرائها، ومَن يملك ذلك هو الإدارة الأميركية فقط، وهذه بدورها لا تزال تضع مسائل عدة في دائرة اهتمامها تفوق أهميتها انتخاباتنا، لذلك فهي صامتة، وما قيل عن رغبتها في إجراء الانتخابات، بدا أنه لا يعدو كونه تقديرات متفائلة أكثر مما يجب، قد لا تمانع واشنطن إجراء الانتخابات، ولكن لا يبدو أنّ الإرادة متوفرة لديها كي تضغط على (إسرائيل) من أجلها.
ثانياً: أن من المستبعَد أن تتشكل حكومة في «إسرائيل» قبل الصيف المقبل، سيبقى خلالها نتنياهو رئيساً لحكومة تصريف أعمال، كما تشير معظم مراكز استطلاع الرأي، أنّ نتائج الانتخابات (الإسرائيلية) في آذار المقبل، لن تكون مغايرة بشكل كبير عن الانتخابات التي جرت في السنتين الماضيتين، إلا من ناحية الاتجاه نحو مزيد من التطرف، الأمر الذي قد يعرقل قدرة الحكومة على اتخاذ قرار بالسماح بإجراء الانتخابات في أيار المقبل، ومعلوم أنّ الانتخابات لن تجري بالضدّ من رغبتهم أو بعدم موافقتهم، فهم القوة الواقعية على الأرض، من جانب آخر فإنّ «إسرائيل» توافق أو ترفض إجراء انتخاباتنا بناء على حساباتها، على مكاسبها من الانتخابات، لا التزاماً بموعد مقدس أو استحقاق دستوري، وفي الغالب أن «إسرائيل»، لا تبدي موافقة حتى اليوم إذ نراها صامتة، وهي لن تكون سعيدة أصلاً بحوار بين فتح وحماس، ولن ترضى عن إنهاء الانقسام، الذي تدّعي حوارات بيروت والقاهرة أنّ الانتخابات، خطوة على طريق إنهائه، وهو الذي تحرص «إسرائيل» على بقائه.
ثالثاً: أنّ فتح في أزمة، فالكتل المتنافسة داخل ساحتها، ستقضي بشرذمتها من جانب، ومن جانب آخر فإنّ جميع تلك الكتل ستنهل أصواتها من المصدر ذاته، الأمر الذي سيضعفها أمام حركة حماس وبعض كتل المستقلين، لذلك فإنّ فتح ستكون أمام أزمة إنْ ذهبت للانتخابات، من دون تسوية أوضاعها الداخلية، وفي ظني أنّ لديها الفرصة حتى موعد انعقاد جلسات حوار القاهرة بين الفصائل في أواخر آذار، والتي ستبحث في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، فإنْ لم تكن قد استطاعت تسوية إشكالاتها الداخلية، فستتوفر لديها هناك الفرصة للبحث عن مخرج لإلغاء أو تأجيل الانتخابات، إلى ما شاء الله.
*سياسي فلسطيني مقيم في جنين – فلسطين المحتلة