فيصل جلول لـ «البناء»: حرب مأرب تقطع الطرق المهدِّدة لصنعاء وتمنح الحوثيّين ورقة النفط وتطيح بمشروع الأقاليم الستة
} باريس ـ نضال حمادة
في متابعتنا للحرب في اليمن وتطوّرات معركة مأرب أجرت “البناء” حديثاً مع الباحث في أكاديمية باريس للجيوبوليتك فيصل جلول… وفي ما يلي وقائع الحوار معه:
*كيف ترى تقدّم الحوثيين في مأرب؟
ـ أعتقد أنّ الحوثيين يخوضون في مأرب معركة متعدّدة الأهداف. أوّلها الوصول الى النفط وهو مصدر الثروة الأساسي في اليمن. والوصول الى مأرب النفطية لن يكون بعيداً عن شبوة النفطية ايضاً والتي يديرها أحمد مساعد حسين الذي تمكّن من وضع حدّ لتمدّد المجلس الانتقالي الجنوبي الى المحافظة، واستطاع حمايتها وإدارتها بطريقة فعّالة توفر له حاضنة شعبية مهمة فيها. ويمكن للحوثيين ان يقطعوا الطريق على المجلس الانتقالي الذي يحلم هو أيضاً بالوصول الى نفط شبوة، وبالتالي امتلاك ورقة مهمة في خريطة اليمن السياسية لما بعد الحرب.
الرهان الثاني للحوثيين يكمن في قطع الطريق على أية محاولة مستقبلية للوصول الى صنعاء ومحاصرتها عبر مأرب. انّ وجودهم في مأرب ووجود قواعدهم في تعز وقواتهم العسكرية الصامدة في الحديدة من شأنه أن يضمن عدم الوصول الى عاصمتهم من أية قوة مهمة. كانت مأرب هي الموقع الاستراتيجي الوحيد خارج سيطرتهم وان تمكنوا من السيطرة عليها فلن يتمكّن أحد من تهديد عاصمتهم. والرهان الثالث يقضي بالدخول إلى طاولة المفاوضات من موقع قوي جداً وحصر الطرف الآخر في موقع شديد الضعف بحيث يضيق هامش المناورة أمامه خلال التفاوض. يبقى الرهان الأهمّ هو توجيه ضربة حاسمة لنظام الأقاليم الستة، والذي حاولت المملكة العربية السعودية تسويقه على طاولة المفاوضات وقد رفضه الحوثيون والمؤتمر الشعبي فردّت السعودية بالحرب من أجل فرضه.
إذا انتصرت في مأرب ستكون القوات الحوثية موجودة في كلّ المحافظات الشمالية. وسيكون ميزان القوى على الأرض أقرب الى صيغة اليمن الاتحادي من إقليمين.
*هل يمكن أن تكون مآرب آخر المعارك قبل التسوية؟
ـ أغلب الظنّ انّ الحوثيين يخوضون المعركة بهذا النفس ويحاولون الإفادة من معنويات المقاتلين الضعيفة في المدينة بسبب إعلان واشنطن رفع تغطيتها للحرب على اليمن. فهم سيتأكدون من انّ رفع اليد الأميركية يعني فشل الحرب، فالحرب الناجحة لا ترفع عنها التغطية ومن الصعب أن تجد مقاتلين كثراً يموتون من أجل حرب فاشلة.
*هل يمكن للحوثيين اختراق التركيبة القبلية في مأرب؟
ـ في كلّ المجتمعات القبلية يمكن الرهان على انقسامات وتنافس بين بطون وفروع، والقبائل في مأرب وغيرها ليست جماعات انتحارية ولا يقودها كاميكاز، وعندما تحصل على ضمانات يمكن ان تعقد اتفاقات عدم اعتداء. لقد دخل الحوثيون إلى مناطق قبلية في الشمال وتمكّنوا من عقد اتفاقات تعاهد مع مشايخها ويمكنهم ان يكرّروا الأمر نفسه في مأرب، خصوصاً أنّ القائد العسكري المركزي للحوثيين أبو علي الحاكم يتمتع بخبرة مهمة في هذا المجال وهو الذي عقد اتفاقات تعاهد في المسيرة العسكرية الحوثية من صعدة في أقصى الشمال وصولاً الى البيضاء ومروراً بعمران.
تبقى الإشارة الى انّ قبائل مأرب عصية على الخضوع وهي كانت على الدوام مصدر قلق لكلّ الحكومات الصنعانية، ولم يتمكن حكام اليمن من إخضاعها إلا عبر تسوية قبلية تحفظ استقلاليتها ومصالحها فهل يتمكن أبو علي الحاكم من اختراق هذه القبائل حيث فشل غيره؟ السؤال يظلً مفتوحاً ما بقيت المعارك قائمة .
*كيف يمكن حلّ مشكلة الانفصاليين في الجنوب… بالقتال أو بالسياسة؟
ـ في الجنوب تجمّعات سياسية وعسكرية عديدة أقواها وأكثرها تنظيماً هو المجلس الانتقالي الذي يريد استعادة دولة الجنوب السابقة والخروج من اتفاقية الوحدة. هناك فئات أخرى تقبل بدولة اتحادية من إقليمين، وقد يقبل الانتقالي بهذا الحلّ إذا ما تلقى ضغوطاً إقليمية ودولية وبخاصة سعودية وإماراتية. ويملك تحالف الحرب إمكانية حماية دولة يقودها الانتقالي وتحظى باعتراف أميركي. ولعلّ ما نُسب الى الانتقالي عن نيّته إنشاء دولة تعترف بـ “إسرائيل” يسير في هذا الاتجاه، لكن هذا الخيار يحتاج الى توجيه ضربة قاسمة لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي والاخوان المسلمين الذين لن يكون لهم مكان في يمن تسيطر عليه أطراف لا تريدهم.
*من هي القوى التي يمكن ان تتحالف مع الحوثيّين؟
ـ تحالف الحوثيون في الشمال مع الحركات الجنوبية ضدّ حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح. بدا حينذاك انّ الطرفين يمكنهما التوصّل الى تسوية قريبة من نظام الإقليمين الاتحادي في اليمن، لكن الحرب شكلت معطيات جديدة والتدخل الخارجي في شؤون الجنوب اليمني أدّى الى تفتيت الحركات الجنوبية، وبالتالي انبثاق المجلس الانتقالي ايّ القوة المركزية الجنوبية التي تتحرك في فضاء يمتدّ من لحج الى عدن ويملك مرتكزات مهمة في أبين وأقلّ أهمية في حضرموت والمهرة. والراجح ان يكون من الصعب على الحوثيين عقد تحالف مع المجلس الانتقالي المتحالف بطريقة مصيرية مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. يحتاج الحوثيون في هذه الحالة الى الانتصار على التحالف السعودي بالضربة القاضية كي يصبح بوسعهم استقبال متضرّرين كثر من المجلس الانتقالي، وهذا الأمر متعذر حتى الآن… فهل تتغيّر المعطيات على الأرض؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال ما دامت المعركة مفتوحة.
*هل تعتقد أنّ المجلس الانتقالي يمكن أن يلعب على وتر المحاور الإقليمية أيّ محور المقاومة ومحور أميركا والخليج و”إسرائيل”؟
ـ هنا ندخل من باب أكبر الى الحرب التي تدور في اليمن حيث يهدّد أنصار الله “إسرائيل” في منفذها البحري الأهمّ في إيلات على البحر الأحمر، ويشكلون مع حزب الله وحماس مثلثاً مهماً في مواجهة الدولة العبرية. انْ صحّ البيان المنسوب الى المجلس الانتقالي حول مشروع دولة جنوبية مقابل الاعتراف بـ “إسرائيل” فهو يعني بوضوح انّ الحرب على اليمن كانت وهي الآن وربما تكون مسرحاً لاصطفافات يمنية في محاور إقليمية متصارعة، وقد تؤدّي هذه الاصطفافات إلى إطالة أمد الحرب اليمنية إلى أجل غير مسمّى .