الثلاثيّة الأميركيّة نحو المقاومة وسورية وإيران
ناصر قنديل
– ثلاثة أسئلة تكفي لبلورة النظرة نحو طبيعة ما يجري على جبهة السياسة الأميركية الخارجية، وعلاقتها بتصوّر موحّد تسعى إدارة الرئيس جو بايدن لجعله مشروعاً لرؤيتها تجاه قضايا المنطقة، وهو ما سبق وعالجته مجموعة مقالات في هذه الزاوية بعد فوز بايدن الرئاسي. السؤال الأول، هل يمكن أن يجري خارج تأثير السياسة الأميركية، الانتقال الإسرائيلي في التعامل مع أخطر ملفات تهديد الأمن الاستراتيجي لكيان الإحتلال الذي تمثله الصواريخ الدقيقة لحزب الله، من مشروع تعاون أميركي إسرائيلي لنزعها حمله المبعوثون الأميركيون على أعلى المستويات الى لبنان مرفقة بالتهديدات، إلى عرض صيغة الاستعداد لتقبل بقاء هذه الصواريخ بحوزة حزب الله، لكن تحت سقف عدم تجاوز عددها رقماً معيناً هو الألف صاروخ، الذي يقول قادة الكيان ومحللوهم إنه الرقم الموجود لدى حزب الله، أي عرض اكتفاء حزب الله بما لديه، مقابل ماذا؟ عملياً يعني الكلام أن هذا العرض يقدّم مقابل وقف استهداف سورية، الذي تسوّق واشنطن وتل أبيب للغارات الإسرائيلية التي تستهدفها تحت عنوان منع تدفق الصواريخ الدقيقة على حزب الله؟
– السؤال الثاني، هو هل يمكن وضع الغارة الأميركيّة المعلنة على منطقة البوكمال على الحدود السورية العراقية، فقط ضمن الدائرة الضيقة التي سوّقتها واشنطن باعتبارها رداً على الصواريخ التي استهدفت قاعدة أميركية في أربيل بداعي أن التحقيقات أظهرت تورط فصائل من المقاومة العراقية فيها، وبالطبع كان ممكناً أن تستهدف واشنطن هذه الفصائل في مواقع أخرى، لو لم يكن لمنطقة البوكمال الحدودية وظيفة معينة في الاستهداف، بما تحمله من رمزية سياسية، لعنوان الحدود السورية العراقية، خصوصاً في البوكمال، الذي شكل مضموناً لمواقف وصلت إلى حد تشكيل سقوف لتصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب والخارجية والبنتاغون، بحيث تصير للغارة وظيفة سياسية مضمونها، تحديد ركن ثانٍ في العرض الأميركي مضمونه إغلاق الحدود العراقية السورية أمام تدفق السلاح، وخصوصاً ما يتصل بالصواريخ الدقيقة، بعد حسم القبول بما لدى حزب الله منها.
– السؤال الثالث هو هل يمكن حصر التزامن بين الغارة الأميركية على البوكمال، وما تشير اليه من تمسك بإقفال الحدود العراقية السورية أمام نقل السلاح للمقاومة، خصوصاً الصواريخ الدقيقة، والعرض الإسرائيلي بقبول ترسانة الصواريخ الدقيقة لحزب الله شرط عدم زيادتها، من جهة، ومن جهة مقابلة الإعلان عن تقرير المخابرات الأميركية في تحقيقات قتل الصحافي جمال خاشقجي وما تضمنته المواقف الأميركية المرافقة من إشارة لفرضيات فرض عقوبات على ولي العهد السعودي، خصوصاً أن واشنطن نفسها وضعت إعادة ترتيب العلاقات مع السعودية ضمن سلة تقييم شاملة تتصل من جهة بالسعي لإنهاء حرب اليمن. وفي هذا السياق جاء قرار وقف صفقات السلاح الأميركي للسعودية والإمارات، وما يعنيه ذلك من عرض موجّه لإيران ومباشرة بالتوازي مع التفاوض الجاري على مسار العودة للاتفاق النووي وشروطه، مضمونه إقامة توازن جديد يقايض طلب تنازلات إيرانية بعروض تحجيم المكانة السعودية.
– تتشكل من هذه الثلاثية معادلة جديدة ترسم إطار السياسة الأميركية الخارجية في المنطقة، لجهة إعادة ترتيب السقوف والأحجام لكل من الحليفين الإسرائيلي والسعودي، مقابل السعي لتسويق صيغة مستقبلية لمنظومة الأمن في المنطقة، تقوم على مجموعة علب جديدة تصيغها إدارة بايدن لكل من الساحات المشتعلة في المنطقة، علبة لليمن، وعلبة لسورية وعلبة للبنان، وعلبة للعراق، ضمن مشروع صفقة تعرضها واشنطن على طهران، جوهرها ضمان أمن كيان الاحتلال والتضحية من الجيب السعودي، والاعتراف بحقائق القوة التي لم يعد ممكناً انتزاعها من قوى المقاومة، مقابل تجميد عناصر بناء القوة ومساراتها، وبقدر ما يكشف هذا الجديد الأميركي محاولة للتأقلم مع المتغيرات التي أنكرتها إدارة ترامب، فإنه يكشف أن إدارة بايدن لم تستطع اكتشاف حجم هذا التغيير لصياغة سياسة تتناسب مع شروط صناعة الاستقرار، الذي يفترض أنه يشكل هدف السياسات الجديدة، في ظل أوهام القدرة على إنجاز مقايضات ورسم خطوط حمراء، يفترض أن تكون عقول السياسة الأميركية قد أدركت مسبقاً أنها لا تزال قاصرة عن ملاقاة الحقائق الجديدة في المنطقة، بما في ذلك أوهام القدرة على استخدام القوة لرسم الخطوط الحمراء لهذه السياسات، بما يجعل علب الدبلوماسية الأميركية الجديدة ضيقة بالقياس لأحجام القوى التي تريد إدخالها فيها.