تجمّع بكركي يتحوّل إلى مظلة تقسيمية وحفلة شتائم ومواقف استنكرت التدويل: لبنان والمنطقة ضحية الجلاّد الدولي
على مرأى ومسمع البطريرك الماروني بشارة الراعي، تحول تجمّع بكركي أول من أمس، لبقايا “قوى 14 آذار” بقيادة حزب “القوات” وبعض ما يُسمى “المجتمع المدني” الدائر في فلكها، إلى حفلة سباب وشتائم طالت قسماً كبيراً من اللبنانيين فضلاً عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والمقاومة التي حرّرت الأرض من الاحتلال الصهيوني وحمت السيادة والاستقلال.
أما خطاب الراعي فكرّر ما دأب على المطالبة به في عظاته الأسبوعية ولقاءاته شبه اليومية مع وفود “جماعة 14 آذار”، من محاولة لتدويل الأزمة اللبنانية ووضعها بين “مخالب” القوى المستعمرة بدعوى بضعة شعارات برّاقة هي نفسها التي استخدمتها تلك القوى في هجماتها المتتالية الحديثة، على عشرات الدول المجاورة للبنان والتي أسفرت وما تزال عن قتل مئات الآلاف من شعوبها وتخريبها وتقسيم أراضيها، كرمى لمصالحها وأهدافها وفي طليعتها حماية الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة والقدس الشريف وتقوية أذرعه خارج كيانه اللا شرعي.
كما أغفل الراعي رأي غالبية الشعب اللبناني أو على أقل تقدير نصفه، الرافض لطروحاته منذ إعلانه عنها وما زال، علماً بأنه رفض في خطابه ما وصفه بـ”مصادرة القرار الوطني” بينما في باحة بكركي كانت الهتافات التقسيمية تبلغ مسامع الراعي.
وفي حين أغفل الراعي دور المقاومة في دحر الاحتلال “الإسرائيلي” عن معظم الأراضي اللبنانية، توجه الراعي في لهجة تحريضية للحضور ذي اللون الواحد بالقول “لا تسكتوا عن السلاح غير الشرعي وغير اللبناني”، مطالباً بانعقاد مؤتمر دولي حول لبنان لفرض الحياد، وتطبيق القرارات الدولية، وقال “نريد أن يتخذ المؤتمر جميع الإجراءات لتنفيذ القرارات الدولية المعنية بلبنان التي لم تنفذ أو نفذت جزئياً من أجل تثبيت استقلاله وسيادته لكي تبسط الدولة سلطتها على كامل الاراضي اللبنانية، من دون أي شراكة أو منافسة، نريد من المؤتمر توفير الدعم للجيش اللبناني ليكون المدافع الوحيد عن لبنان”، متناسياً المطالبة بوقف الانتهاكات “الإسرائيلية” اليومية للسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً.
وقال “ما نطرحه اليوم لتجديد وجودنا الحرّ السيد المستقل المستقر ولإحياء الدولة المبعثرة والمعطلة والمصادرة”.
وفي المقابل لاقت مواقف الراعي والإطار التي داءت فيه، ردود فعل مستنكرة محذّرة من مخاطرها وافتقادها للحكمة. وفي هذا الإطار، أكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة، النائب حسن فضل الله، أن التدويل يشكل خطراً وجودياً على لبنان، سائلاً “ماذا فعل التدويل في سورية والعراق؟ وماذا حصل للوجود المسيحي هناك لولا الدول هناك والمقاومة؟”.
ولفت في حديث تلفزيوني، إلى أن ما جرى في بكركي يعبّر عن وجهة نظر البعض، ولا يعبّر عن موقف كل اللبنانيين، وأن هناك من يتلطى خلفها لتكريس التباعد والانقسام الطائفي.
وقال “نحن مع تنوع الآراء ضمن اللياقات، والشتم والسباب هو نتيجة العجز والضعف”. وأضاف “كنا نتوقع تصرفاً مختلفاً حول ما حصل في بكركي، ولم نرَ أي ردة فعل حول شتم المقاومة ورئيس الجمهورية”.
وأكد “أننا نحترم مرجعية بكركي لفئة من اللبنانيين”، مشيراً إلى أن “كل جهة تعطي المجد لمن ترى أنه أعطى المجد للبنان”.
وعن العلاقة مع الراعي قال “لا تقوم سياستنا على المقاطعة نتيجة الاختلاف في الرأي، نحن أهل الحوار والتلاقي والوصول إلى تفاهمات وطنية، فهذا هو الأساس لحل المشاكل الداخلية وليس استدعاء الدول الأخرى للتدخل بل يمكن الإستعانة بها لتقديم العون والمساعدة لا أن تحلّ محل اللبنانيين، وعندما يقول البطريرك أننا نقاطعه منذ زيارته للقدس فهذه شبهة لديه أو ربما نسي، نحن كنا معترضين على هذه الزيارة، لكن لم يكن ذلك سبباً لأي قطيعة، فهناك زيارات علنية عدّة حصلت بعد تلك الزيارة ويفترض بدوائر بكركي أن تذكره بها وأطلقت تصريحات علنية من وفود حزب الله التي زارت بكركي، منهجنا هو التواصل والحوار وليس القطيعة لدينا قوة المنطق والحجة والأدلة على صوابية طروحاتنا نقدمها لكل من يريد الحوار لأجل الوصول إلى قواسم مشتركة”.
وعن اجتماعات لجنة الحوار بين حزب الله وبكركي قال “لم ينقطع التواصل بين أعضاء لجنة الاتصالات القائمة باستمرار واجتماعات اللجنة كانت تتم بين وقت وآخر لكن بسبب الأوضاع وظروف كورونا استعيض عن اللقاءات المباشرة بالاتصالات الهاتفية، وقبل يومين كان هناك تواصل بين أعضاء اللجنة لدرس امكانية معاودة اللقاءات المباشرة مع أخذ الاحتياطات اللازمة من كورونا، تصلنا مراسلات ودعوات حول زيارة بكركي، هذا الأمر مرتبط بالهدف حتى في الماضي لم تكن الزيارات إلا لسبب إما مناسبة أو وجود قضية ما. ويمكن على ضوء نقاشات اللجنة عقد لقاء مع البطريرك، وعندما يكون هناك داعي للقاء يحصل”.
من جهته، دعا الشيخ نصرالدين الغريب، في بيان، البطريرك الراعي وكل رؤساء الطوائف إلى “تحكيم العقل وتوحيد الكلمة والصف، فالهيكل إذا سقط سيسقط على رؤوس الجميع”.
وقال “كنا ننتظر من مجد لبنان كما يُقال، أن يأتي بجديد لحل الأزمة الوطنية العالقة وأن يكون خطابه توحيدياً لجميع الأفرقاء، ويدعو إلى لقاء وطني جامع بعد التباعد الحاصل، وأن يُسكت الأصوات الشاذة التي تدعو إلى الفيديرالية وتقسيم لبنان. كنا ننتظر كلاماً صادراً عن الحكمة والعقل يُبعد شبح الحرب الأهلية التي لم يتعلم بعض السياسيين من ويلاتها”.
أضاف”ما يحصل من أزمات، لم يكن سببها رئيس الجمهورية ولا العهد، فالرئيس كان الرئيس الحكيم الذي يحافظ على لبنان ويُبعد عنه الطائفية البغيضة باتفاقه مع سيد المقاومة، فقطع الطريق على من يصطاد بالماء العكر”.
وختم “نرجو ألاّ تكون بكركي منصّة لإطلاق الصواريخ على فئة معينة من لبنان، فهذا لم يزد الأزمة إلاّ تعقيداً، ولمن يطالب بالتدويل نقول: رأينا المؤتمرات الدولية وما نتائجها، فها هو القرار 425 الذي أخذه مجلس الأمن بالإجماع ولم تخرج إسرائيل من لبنان إلاّ بقوة السلاح. قيل إنهم حرروا الأرض وهم في صدد تحرير الدولة. بالله عليكم، أي أرض حررتموها حتى تعودوا لتحرير الدولة؟”.
ورأى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان أن “الأزمة الوطنية بلغت حد الاشتباك الخطأ والتوصيف الخطأ، وسط انهيار وسقوط مروّع سببه معروف ومصدره معروف للبنانيين”، مشيرا إلى أن “سيادة لبنان تمرّ بدولة مواطنة لا دولة طوائف، وإعلان بعبدا أراد عزل لبنان عن المنطقة لا المنطقة عن لبنان، ولبنان يقع على خط زلزال يستبيح الإسرائيلي عبره البحر والجو فضلاّ عن البرّ، والعجز بالقدرات الدفاعية للجيش الوطني اللبناني سببه واشنطن وخطوط تل أبيب الحمراء، وتحرير لبنان تم بالشهداء وليس بقرار 425، والقرار 1701 إنما استجلب الجيوش على لبنان وليس على الطرف المحتل من الأرض، ومن دفن وثيقة الوفاق الوطني القوة الدولية المهيمنة التي تريد لبنان دولة بلا سلطة أو قوة”.
وأكد في بيان، أن “من يريد تثبيت الكيان اللبناني يقبل بدولة مواطنة، وبرأس تنفيذي واحد لا برؤوس وطوائف، وتجديد النظام الديمقراطي يبدأ بانتخابات نيابية شعبية بعيدا من القيد الطائفي، والحياد في زمن الاحتلال الإسرائيلي وداعش ليس وطنياً، بل أعتقد أنه ما زال خيانة. كما أن الحياد في زمن حرائق المنطقة واضطراباتها أيضا ليس وطنياً، بل ليس لصالح البلد والسيادة والقرار الوطني. ولبنان كما هي الحال في فلسطين وحرائق سورية وليبيا واليمن والعراق وغيرها ضحية الجلاد الدولي وليس العكس”.
وتابع “أما قوة التوازن فإنها تمر جبراً بإلغاء الطائفية السياسية المقيتة، وبسط سلطة الدولة من الناقورة للعاقورة يحتاج دولة شعب بلا قيد طائفي، لا دولة طوائف وجدران”، لافتاً إلى أن “شرعية السلاح مصدره التحرير ومنع العدوان وحماية الوطن، وليس الشعارات والدعايات. والسلام المفقود سببه واشنطن وتل أبيب ولعبة الأطلسي، وليس من بذل ويبذل فلذات الأكباد لحماية السلام والوطن، وشهداء التحرير شهداء الجميع لأنهم شهداء الحرية والسيادة والاستقلال وليس قتلى شوارع، ومن لا يملك قوة الدفاع عن السلام سيظل طيلة الدهر محتلاً كما هي الحال مع القدس وبيت لحم ومعلولا وفلسطين وغيرها”.
وأكد أن “المؤتمر الدولي إذا كان بنسخة الصين فنحن معه، أمّا إذا كان بنسخة سايكس بيكو وبلفور وحلف الراغبين، فنحن ضده ولن نفرط بذرة من سيادة وقرار لبنان”.
وختم قبلان بالقول “بكركي رمز شراكة وطن وعيش مشترك وسلم أهلي كانت وما زالت وستظل ما دام لبنان”.
واستنكرت “لجنة عميد الأسرى في السجون الإسرائيلية يحيى سكاف”، في بيان، ما صدر عن الراعي في خطابه بشأن حياد لبنان، معتبرةً أنه “خطاب لا يمثل الشعب اللبناني المقاوم، الذي قدم الآلاف من خيرة شبابه شهداء وجرحى وأسرى في سبيل الدفاع عن الأرض بمواجهة العدو الصهيوني ومخططاته ومجازره الوحشية، التي نفذها في جنوبنا الغالي بحق أبناء وطننا ويشهد العالم عليها، ولا سيما مجزرتي قانا الأولى والثانية، واعتقاله لآلاف الأسرى اللبنانيين في سجونه، ولا يزال منهم حتى يومنا عميد الأسرى يحيى سكاف المعتقل منذ 43 عاماً، ولم نشهد لموقف واحد من البطريرك الراعي يقف فيه بجانب قضيتنا”.
وشدّدت على أن “مجد لبنان صنعه المقاومون بدمائهم الزكية وتضحياتهم الجسام التي حرّرت معظم أراضي وطننا”.