أنطون سعاده مفكر عروبيّ صادق عرف معنى أن تكون للأمة كرامة ومبادئه وقيمه مستمرة
} رزق عروق*
أيامٌ عصيبة، تمرّ بها الأمة، وسط محيط مليء بالاضطرابات والقلاقل، وتشتعل النيران في الأرجاء ولا تجد مَن يطفئها، بل هناك من يُغذّيها ويريدها أن تبقى مستعرة.
زمنٌ يُغيّب فيه صوت العقل والحكمة، ويُعلي من شأن أصوات الفتن والحروب، بينما الأمة تزداد تمزقاً يوماً بعد يوم، زمنٌ تكبّل فيه أيدي الأحرار والتواقين لاستعادة مجد هذه الأمة، ويُطلق العنان لرموز الذل والارتهان والانبطاح أمام أعدائها، لتبقى أمتنا كسيرة منهزمة، لا تقوى على أن تأخذ طعامها بيدها.
وسط كل هذا السواد والإحباط الذي يُلقي بظلاله على كل بقعة من عالمنا العربي والإسلامي، إلا أننا لا زلنا على ثقة بأن موعد هذه الشعوب المضطهدة والمكلومة والمغلوبة على أمرها، هو النصر لا محالة، كيف لا ولا زالت هناك ثلة من الصادقين، العارفين طريق الحق بالحق، والذين أخذوا على عاتقهم السير رغم كل ما يعانونه في هذا الطريق الطويل نحو النصر والتمكين والخلاص من الاحتلال والتبعية والانهزامية، لتغدو أمة العرب قائدة لعالمنا، كما كانت على الدوام.
ومن أولئك الصادقين الذين عرفوا معنى أن تكون للأمة كرامة، المفكر العروبيّ أنطون سعاده، والذي أطلق مرحلة جديدة تبعث الوعي وتنفض غبار الذل والعار عن هذه الأمة، مقتفياً أثر كل المخلصين والأوائل الذين وقفوا سداً منيعاً في وجه مؤامرات الخنوع والتقسيم، ولا زال فكره وقيمه حاضرة إلى يومنا هذا.
وإن الناظر لواقع أمتنا المعاصر المؤلم، ليجد كم أننا في حاجة إلى كل أولئك الذين نذروا حياتهم وقدموا أعمارهم سعياً من أجل وحدة الأمة وكرامتها وسؤددها، وأن لا يكون لغريب موطأ قدم على أرضها.
ورغم ما سعى له الاحتلال الصهيوني وأعوانه، من محاولة تغييب فلسطين عن الحاضر العربي، وإزالتها من الذاكرة ومحاولة تشويهها بشتى الصور، إلا أنه لم يفلح في وأد الحلم الفلسطيني بالحرية والاستقلال، ومواصلة طريق الجهاد والكفاح لكل محتلّ ومغتصب لهذه الأرض المقدسة.
فلا زال أهل فلسطين يتمسّكون بكل ذرة تراب من أرضهم، ويدافعون عنها بكل ما أوتوا من قوة، ويرفضون مسار الانهزام والتسوية مع العدو الصهيونيّ، فلا يتنازلون عن شبر واحد من أرض فلسطين التاريخيّة، مهما زادت المؤامرات والمُغريات والضغوط التي يتعرّض لها شعبنا الفلسطيني، الذي أعلن بكل وضوح تمسكه بخيار المقاومة كخيار استراتيجي لمواجهة العدوان الصهيونيّ، واستخدام الأساليب المتاحة كافة لمواجهة هذا العدوان المتواصل، بالرغم من انشغال أبناء هذه الأمة بهمومهم ومشاكلهم التي يحاول أعداؤنا إغراق بلداننا فيها، حتى لا تفيق الأمة من غفوتها.
فكما كانت فلسطين على الدوام هي التي تجمع شتات هذه الأمة، فنحن على ثقة تامة، أن الأمة ستستعيد بريقها، وتأخذ زمام أمرها، وتلفظ كل خائن وعميل، وكل مَن سعى إلى إشعال حروب الفتنة الطائفية والعرقية بين شعوبنا.
إننا أمام طريق طويل وشاق، ولا زال أمامنا الكثير لنقوم به كجزء من واجبنا، نحو توثيق أواصر وحدة هذه الأمة، والاجتماع على كلمة واحدة، كخطوة أولى على طريق مواجهة العدو الصهيوني، ونحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى بعضنا البعض، لأن نذللّ العقبات التي يمكن أن تعطّل طريق وحدة الأمة، وإزالة أسباب ضعفها وهوانها، والتمسك بثوابتها وقيمِها العالية، لتحقيق كرامتها وانتصارها، وانتزاع حريتها بكل قوة وعزم.
*مسؤول العلاقات الخارجيّة في حركة المقاومة الشعبيّة