غبطة البطريرك… ما هكذا تورَد المواقف والحلول
} علي بدر الدين
لم يكن البطريرك مار بشارة بطرس الراعي موفقاً، في إطلالته من نافذة الصرح البطريركي، ولا في كلمته الخطابية الحماسية، التعبوية، التي هدف منها، إثارة الجمهور الذي «زحف» إلى بكركي لملاقاته، عله يسمع منه ما يشفي غليله، ويعيد له دوره المفقود على الساحة السياسية الداخلية، وصوته المغيّب عن الساحة الخارجية، لأنّ مفعول صلاحيته انتهى، وعبثاً تحاول «قياداته» التقاط أنفاسها وإثبات وجودها، ورفع شعاراتها التي ابتلعها الوقت، وأنهتها المتغيّرات الداخلية والخارجية، والمحاولة هذه المرة من بوابة بكركي وتحت لواء سيّدها، علها تعوّض خسارتها بعد النكسة السياسية التي تعرّضت لها في توقيع التسوية الرئاسية، ومبايعتها المرشح لرئاسة الجمهورية العماد ميشال عون وانتخابه رئيساً للجمهورية، وقد خرجت مع جمهورها خالية الوفاض، وكما يُقال خرجت من «المولد بلا حمص».
لم يأت البطريرك الراعي في كلمته، بأيّ موقف جديد، تغييري أو إصلاحي، يمكن التعويل عليه، أو اعتماده كمنصة إطلاق لمواقف وطنية شاملة وانفتاحية، تهيّئ لمناخات سياسية لإحداث صدمة إيجابية، أو فرقاً واضحاً من شأنهما أن يفتحا ثغرة في جدار الأزمات المتراكمة، التي بدأت مؤشرات تداعياتها تنبئ بأنّ الآتي سيكون أكثر تأزّماً وخطورة.
ما أعلنه في إطلالته، تكرار لمواقف سابقة، حفظها اللبنانيون عن «ظهر قلب» ولم تزهر أو تثمر أو تنتج ما كان متوقعاً منها ولو بحدّها الأدنى، حتى أن لا صدى لها، لأنها أقرب إلى السوريالية والطوباوية، ولا يمكن أن يكون لها موطئ قدم، في لبنان الغارق بالصراعات الطائفية والمذهبية والمصلحية، والذي شهد حروباً متنقلة لا تزال راسخة في تاريخه وذاكرة وشعبه، وفي كلّ بيت أو عائلة لبنانية، وهو لا يزال بؤرة للتوتير الدائم، وأشبه ما يكون بقنبلة موقوتة معدّة للتفجير، والخطر متربّص به، كالواقف على «الشوار» وأية شرارة تنطلق من هذا أو ذاك أو من على «حدود» هذه المنطقة أو تلك… كفيلة بإشعال البلد وإدخاله في أتون الفتن والحروب التي «لن تبقي ولن تذر:.
كان على غبطته ان «يعدّ للعشرة» ويتريّث كثيراً قبل هذه الإطلالة التي لم تنجح مكانياً وزمانياً وجمهوراً وشعارات ومواقف عالية النبرة، خاصة أنّ لبنان المنكوب بطبقته السياسية والمالية الحاكمة بات على مفترق طرق خطير جداً، وبحاجة إلى قيادات ومرجعيات ورجال دين ودنيا لإطفاء النيران المشتعلة التي أتت على كلّ شيء فيه، وليس إلى من يصبّ عليها مواد اشتعال إضافية نأسف أن نقول إنّ ما أقدمت عليه بكركي، وما كرّرته من مواقف مبهرة إضافية، وأمام جمهور أحادي اللون والسياسة والطائفة وشعاراته، زادت النار استعاراً، وكمن يزيل الرماد بحثاً عن الجمر المطوّر لأنه فتح الشهية ربما لشوارع أخرى، ولشعارات مقابلة، ولإثارة غرائز نائمة ومكبوتة، على قاعدة «ردّ الصاع صاعين» و»البادئ أظلم».
لم تربح بكركي في أولى جولاتها «الشعبوية»، ولا في مواقفها، بل على العكس خسرت على الأقلّ نصف طائفتها، بل الطائفة كلها، لأنّ من حضر ليس حباً وتأييداً لغبطته، إنما لأنّ مصلحته الطائفية، وأجنداته وحساباته السياسية المستقبلية والتصويب على رئاسة الجمهورية، اقتضت اقتناص فرصة إظهار القوة و»الهوبرة» والتظلل بالصرح البطريركي الوطني، يعني التقت مصلحية مؤقتة، لهدف آني لن ينتج ثمرة واحدة.
كان على بكركي وسيّدها الاستفادة من حركة العبور إليها، التي سبقت «السقطة» الأخيرة، وتوظيفها في عملية جمع اللبنانيين وولوج القضايا الوطنية الكبرى بقواسم مشتركة إيجابية، وليس في الشرذمة وضياع فرصة جديدة على الشعب اللبناني، الذي تحوّل بفعل السياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة للطبقة السياسية وسلوكها الشائن في إدارة شؤون البلاد والعباد، واعتمادها نهج الفساد والمحاصصة والنهب والقهر والذلّ والحرمان والإهمال وعدم المسؤولية، إلى شعب متسوّل وفقير وجائع ومحبط ويائس، وهنا أصاب البطريرك عندما تطرّق بكلمته إلى الوضع الداخلي الصعب جداً، ودعوة الناس إلى عدم السكوت على ما حلّ بهم على أيدي الحاكمين.
غبطة البطريرك، لم تكن مصيباً، في مواقفك السابقة ولا المستجدّة، ولا بإطلالتك من علو، حاولت «تكحيلها فأعميتها»… وليس هكذا تورَد المواقف والحلول.
يقول الشيخ عباس حرب العاملي: ليس صاحب الغبطة وحده يقرّر مصير لبنان، وليس أيّ مكون أو تحالف سياسي آخر، والتظاهرات أياً تكن خلفياتها لا تحلّ المشكلة القائمة، أولاً وأخيراً على الاختلاف في الرؤى والخيارات السياسية…!