هل يشكّل سعر الـ 10 آلاف ليرة للدولار نقطة الغليان؟
ناصر قنديل
– نقل عن الجنرال كينيت ماكنزي رئيس أركان الجيوش الأميركيّة، يوم كان قائداً للمنطقة الوسطى وزار لبنان قبل شهور أنه كان مهتماً بالسؤال عن سعر صرف الدولار الذي يشكل نقطة الغليان التي ينتقل معها الوضع اللبناني إلى الانفجار، وأنه سمع من مستشاريه والخبراء الذين سألهم هذا السؤال، مخصصاً القوات المسلحة باهتمامه حول السعر الذي يفقد معها العسكريون القدرة الشرائيّة لرواتبهم، ويبدأ الخطر بتهديد تماسك المؤسسة العسكريّة. وتقول التقارير التي تحدّثت عن مضمون هذه اللقاءات أن ماكنزي وفريقه توصلا الى خلاصة مفادها أن سعر العشرة آلاف ليرة لبنانية للدولار الواحد، هو نقطة الغليان التي يبلغ معها لبنان مرحلة الانفجار.
– ليست القضية قضية رقم، بل ما يعادل الرقم من نتائج وتبعات. فمع رقم العشرة آلاف ليرة، يصبح راتب المليون ليرة يعادل مئة دولار فقط، ويبدأ العدّ التنازلي للقدرة الشرائيّة لرواتب العسكريين الذين يشكلون صمام الأمان لحفظ الأمن. ومع العشرة آلاف ليرة للدولار سيبدأ سعر صفيحة البنزين بدخول مراحل جديدة، ومعه كل أسعار المواد الاستهلاكيّة، لأن العشرة آلاف عتبة نفسيّة متى تمّ تخطيها فلا حاجز يمنع سعر الخمسة عشر ألفاً وصولاً لحافة العشرين ألفاً. وإذا كان مسار الإنتقال من الخمسة آلاف الى العشرة آلاف قد تمّ خلال شهور فإن مسار الانتقال من العشرة آلاف إلى التسعة عشر ألفاً قد لا يستغرق أسابيع. وهذا يعني دخول اللبنانيين مرحلة السواد الكامل، الذي يصعب معه بقاء الناس في بيوتها، كما يصعب تخيّل ما ستحمله مرحلة الانتقال الى الشارع، وبلا أمل، ولمجرد التعبير عن الغضب، وما يتيحه الفقر من فرص للأجهزة الخارجيّة للعبث، وما تتيحه الفوضى من فرص للخراب.
– جوهر الحلقة الفاصلة بين الفوضى والاستقرار، واستعادة زمام المبادرة في سوق الصرف، وانفلاتها، هو تشكيل حكومة جديدة، فولادة الحكومة وحدَها تفتح الباب للعودة إلى المؤسسات وتسحب فتيل الشارع، والحكومة وحدَها تطلق مناخ الثقة بوجود مرجعيّة للحياة السياسيّة والاقتصادية، بل ربما تكون الحكومة أيضاً سبباً لسحب فتيلين إضافيين، الأول هو الاستثمار في سوق الصرف للضغط السياسي، والثاني هو الاستثمار في الشارع لتوظيفه في تثبيت المواقع الطائفية والسياسية، وإذا كان الشارع قد أخذ في تجربته الأولى تحت شعارات عدميّة مثل إسقاط كل مؤسسات الدولة، ولاحقاً نحو شعارات سياسية مثل الزجّ بسلاح المقاومة لاستهدافه، ومع خبرة اللبنانيين المتراكمة بعد كل هذه المسيرة القاسية يجب أن تكون قد علمتهم أن يتقبّلوا رفع شعارات واقعية، قابلة للتحقق، تشكل بداية استعادة لفرص السيطرة على الانهيار، حتى لو لم تكن تحمل حلولاً، وحتى لو أعادت تعويم النظام الذي يريد له اللبنانيون صورة أخرى، وبرموز أخرى، لكن التجربة قالت إن الانتقال الى خارج الطائفيّة لا يتمّ على الساخن بل على البارد، وإن الانتقال الى الإصلاح الاقتصاديّ ومكافحة الفساد لا يتمّان إلا من خلال تطوير المؤسسات والتشريعات، وليس بأخذنا إلى الفوضى.
– التحدي اليوم أمام هذا الغضب الشعبي هو بالبقاء خارج التجاذب الطائفي، وخارج الخطابات التي انتهت بانتفاضة 17 تشرين الأول إلى الجفاف الشعبي، أو التي أخذت بعض التحرّكات نحو العبث السياسي، وفي حال اجتياز هذا التحدّي بنجاح ربما تتوحّد الشوارع ويكون ذلك مدخلاً لمرحلة جديدة، تفتحها حكومة جديدة، وإلا فالأسوأ هو المقبل.