القاضي الشيخ أحمد الزين: بذر عمره على درب المحرومين من أرضهم والمحرومين في أرضهم
} د. خليل حمدان*
رحل العلامة الشيخ أحمد الزين على هيئة من ادّخر جهده وجهاده لليوم الآخر، وكما كان يحلو له ان يعمل بصمت غادرنا غير تاركٍ وودّعناه وما هو بمفارق. حفر على صخرة عمره مآثر جبّارة سنذكرها ويتذكّرها كلّ من يصبو للأيام الخوالي. مع آذان الفجر وصلاة المغيب يستحثّ الخطى ليبقى على مرمى حجرٍ من فلسطين. تستهويه كفرشوبا ومرجعيون وبنت جبيل ونصرة الجنوب وكلّ قضايا الحق والعدل. هو عصيّ على الاختزال. أن ترثيه في مقالة فهذه محاولة مشوبة بالقلق والتقصير، فأنت أمام رجلٍ ملأ الأرض حضوراً، طالما لثمها حُبّاً وعبادة في رحلة علمية وجهادية من صيدا الى حاصبيا ومن بيروت الى طهران. هذا المسكون بحبّ الإمام السيد موسى الصدر الحاضر في مواقفه وكلماته. فعن الشيخ أحمد الزين أحاول كلاماً وأخشى ان أبقى على شاطئه وفي بحره اللجّي استشعر الأمان. فلندعه في سنبله، ونستودعه في الآتي من الأيام عن حياة عمره الذي لا ينقضي.
يحضرني الجواهري في ما مضى:
تعداد مزايا المرء منقصة له
إن فاقت مزاياه على التعداد
كان متأهّباً للدفاع عن الجنوب وحاضراً في سوح المحرومين والمعذّبين فلنأخذ من درره نثرات ومن مائه العذب قطرات، فمع الإمام الصدر في هيئة نصرة الجنوب أمام التلكّؤ الرسمي والبرودة الحكومية في مواجهة الأحداث. دعا الإمام الصدر الرؤساء الروحيين في الجنوب لتدارس الأوضاع وتشكّلت هيئة نصرة الجنوب في أيار 1970 برئاسة سماحة الإمام السيد موسى الصدر وعضوية سيادة المطران أنطونيوس خريش، المطران باسيلوس خوري، المطران يوسف الخوري، المطران جورجيوس حداد، المطران أثناسيوس الشاعر، المطران بولس الخوري، القس ابراهيم داغر، وأصحاب السماحة الشيخ محمد سليم حمود مفتي صيدا، الشيخ أحمد الزين قاضي شرع صيدا، الشيخ رؤوف القادري مفتي راشيا، الشيخ نجيب قيس قاضي المذهب الدرزي في حاصبيا، الشيخ سليم جلال الدين، الشيخ علي الفقيه والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان.
وكان على عاتق الهيئة تدارس الأخطار المحدقة بالجنوب ومعالجة أوضاعه على قاعدة انّ الجنوب لفي خطر، فكان للشيخ أحمد الزين الحضور المميّز والفاعل في الملمّات وما أكثرها في تلك المرحلة العصيبة من تاريخ لبنان.
والشيخ أحمد الزين مع الإمام الصدر في مهرجان صيدا بتاريخ 4/4/1974 أمام الجامع العمري الكبير الى جانب المناضل معروف سعد وعدد من العلماء الأجلّاء وحشد كبير من الناس، وبعد كلمة الإمام الصدر ظنّ الناس انّ الاحتفال انتهى، ولكن طلب الإمام السماع كلمة ممثل بعثة الأزهر في لبنان الشيخ فهيم أبوعبيه وكلمة الشيخ أحمد الزين الذي هاجم التفرقة بين المذاهب، واستشهد بوجود حفيدين من أحفاد رسول الله في الجامع السيد موسى الصدر وابن نقيب الأشراف الشيخ محمد سليم جلال الدين قاضي صيدا الشرعي، فنبذ الطائفية والمذهبية. كان دائماً يشكّل مرتكزات الشيخ أحمد الفكرية والشرعية. أجل، الشيخ الجليل أحمد الزين كان متأهّباً لنجدة المعذبين والمحرومين، ومن ينسى يوم 22 آذار1975 عندما ترك الإمام الصدر بيروت سراعاً لنجدة أبناء بلدة كفرشوبا الأبيّة ليلاقيه الشيخ أحمد الزين. توجّه الإمام على رأس وفد ضمّ الشيخ عبد الأمير قبلان والشيخ محمد يعقوب والشيخ نجيب قيس والسيد هاني فحص وممثّل منظمة التحرير الفلسطينية أبو داوود ودائماً نجد الشيخ أحمد الزين حاضراً، ليقول مع الامام إننا باقون في كفرشوبا وإنّ الجنوبيّين باقون في قراهم، لو لم يجدوا سلطة تحميهم ولو تخلّت عنهم حكومتهم. في ذلك اليوم خلت كفرشوبا من جميع الوجوه الرسميّة المسؤولة وحضر العاملون من العلماء والمناضلون المثقفون والفلاحون والطلاب.
الشيخ أحمد الزين تراه حاضراً في صيدا وعلى مساحة الجنوب ولبنان في مواجهة الاحتلال وحاضراً في مؤتمرات ومنتديات طهران والعديد من الدول العربية التي أشهرت خيار المقاومة والوجهة فلسطين ومقاتلة العدو الصهيوني بما تيسّر من سلاح، مع الإصرار على الانتصار…
شيخنا الجليل بمناسبة رحيلك ستبقى في وجدان المقاومين ذكرى وذاكرة عربون وفاء لما قدّمت، يا عمراً لا ينقضي كما كان يحلو لك ان تصدح باسم الله لتبقى مسيرة المقاومة.
فالنخل لو مات لا تحنو قوائمه
كحدّه السيف مشحوذاً وإن غُمدا
ولعائلتك الصبر، ونسأل الله ان تكونوا مع الشهداء والصادقين.
*عضو هيئة الرئاسة في حركة أمل