القوة اليمنيّة من جزيرة العرب حتى صحراء سيناء!
د. وفيق إبراهيم
الحرب على اليمن المستمرّة منذ سنوات ستّ تكاد تنتهي بإعلان هزيمة نكراء للسعوديّة. والسؤال هنا هو مَن له القدرة على مجابهة اليمن السعيد في جزيرة العرب. هناك السعودية وهي عاجزة عن ذلك، ومعها قطر والإمارات والكويت والبحرين، وكلها لا تمتلك القدرة على مجابهة اليمن، فهل هذا يعني انكفاء الأميركيين عن الدفاع عن حلفائهم، او أنهم يفتعلون هذا العجز لإرسال قوات أميركيّة مباشرة اليها؟
فيحظون بذلك بأثمان مرتفعة لقاء الحماية؟ وهي مترتّبات تتولّى تسديدها الإمارات والبحرين والكويت والسعودية وقطر؟ وبذلك يستطيع الأميركيون تأمين دخل دائم لكن المشكلة هنا ان هذا الدعم يأتي على حساب السياسة وهذا ما لا يقبله الأميركيّون الحريصون على الإمساك بكامل جزيرة العرب باعتبار أنها مهمة لهم على مستويين: وجود موارد كثيرة للطاقة من غاز ونفط والخط البحريّ الاستراتيجيّ الذي ينطلق من الشاطئ السعودي حتى قناة السويس لكن هناك جديد في هذا المجال، فاليمن المنتصر على دويلات جزيرة العرب أصبح بوسعه استعمال الطريق البحريّة الممتدة من سواحل عمان حتى قناة السويس، وهو واحد من اهم الطرقات البحرية في العالم، لكن المعوقات أميركية صرفة، لان هذا الخط كان باستعمال أميركيّ دائم منذ الحرب العالمية الثانية وتركه أميركياً لليمنيين يؤدي الى خسارة الأميركيين خطاً نفطيّاً وغازيّاً وعلاقات واسعة مع كامل المنطقة تقوم على التجارة والاستيراد والتصدير.
فماذا يفعل الأميركيون بهذه المأساة القوية؟
اليمن متشبث بحقوقه وبوسعه من دون تنسيق مع الأميركيين أداء دور على هذه المنطقة البحرية من عمان وحتى صحراء سيناء، لكنه يعرف أن الأميركيين لا يتسامحون في مواضيع لها هذا المستوى، لأنها تندرج في اطار الجيوبوليتيك الكوني الخاص بهم. لذلك يؤثرون التفاوض للوصول الى حلول مقبولة بوسعها توفير علاقات ثابتة في هذه المنطقة، تدفع نحو يمن شديد الاستقرار وله دوره في الجزيرة العربية.
هناك سؤال مركزي يتبادر للأذهان ويتعلّق بمدى قدرة اليمن على أداء دور انطلاقاً من سواحله حتى السواحل المصرية الإسرائيلية الأردنية.
وهو دور يوليه أهمية إقليمية وينقله من مجرد دولة خليجية صغيرة الى دولة هامة لها قوتها في شبه جزيرة العرب ومنطقة فلسطين المحتلة.
فاليمن الفلسطينيّ يُضيف الى مسلسل الصراع العربي الإسرائيلي قوة متمكّنة تشكل جزءاً من سورية ومصر وفلسطين وربما أكثر أما الملاحظة الأكثر أهمية فهي اكتساب اليمن قوة إقليمية ذات وزن، وهذا يعني انتقاله من دولة لها نفوذ في جزيرة العرب الى دولة تمسك بهذا النفوذ وتضيف إليه نفوذاً أكبر في فلسطين المحتلة، فيحفل بذلك بأهميّة مضاعفة لم يسبقه اليها أحد. فالسعودية كانت تدفع مساعدات مالية لفلسطين وكذلك الإمارات والكويت اما اليمن هنا فيدفع مالاً ورجالاً وإمكانات دولة.
فهل يمكن لليمن أن يذهب نحو هذا الاتجاه؟
إنه ذاهب نحوه، باعتبار ان دوره الوطني في محاربة السعودية والإمارات والبريطانيين والأميركيين استلزم شجاعة الموقف وصلابة مواجهة الاحتلال ولم يهَبْ أبداً مثل هذا الانتقال لأنه يعرف أنه يقاتل على ارضه التاريخية ووسط جماعته التاريخية.
لجهة المواعيد فإن اليمن مستمر برشق المطارات والأهداف النفطية السعودية، غير عابئ بالمواقف الأميركية التي تركت الأمر على دابره، ولا تتعرّض للقصف السعودي الذي يتنقل من مطار سعودي الى موقع نفطي آخر.
لماذا لا يتدخل الأميركيون لإسكات اليمنيين؟
يعرفون ان اليمن على استعداد لإطلاق قذائفه حتى على الأهداف الأميركية من دون أي خوف، لأنها تؤدي الى إطلاق نار أميركية على اليمن.
ما يدفع إلى ردود يمنية وفي الاتجاهات كلها.
الوضع اذاً مقلق وليس من مصلحة الأميركيين الا العثور على حلول لمصالحات يمنية سعودية توقف هذه الحرب.
لماذا يتأخر الأميركيون إذاً في الدفع نحو هذه المصالحات؟ يريدون صلحاً على طريقتهم التقليدية، تمنح الأميركيين مجدداً طريق عمان – صحراء سيناء مع مصالحات منظمة بواسطة آلياتهم المبرمجة، مع محاولات كسب اليمن للمشروع الأميركي. وهذا لم يعد ممكناً لأن اليمن اختار طريق الحياد في لعبة الصراع الدولية.
هناك مشكلة إضافية وهي عدم وجود طرف وسيط بوسعه أداء دور الجامع لهذه الفئات.
الصين خارج الحسابات وتخشى من الغضب السعودي كذلك لجهة روسيا التي تتبنى أساليب الحياد منذ عقد تقريباً لأنها تعتقد أن تنظيم اسواق الطاقة السعودية أفضل لها من الدخول في تسويات بين دول أو جذب دول إليها.
أين الحل؟
الحل أميركيّ ويبدو انهم لم يعثروا عليه بعد، لأن بايدن متيقن من قدرات بلاده على العودة الى الإمساك بالمنطقة آخذاً بعين الاعتبار ان اليمن مستقل ولا تربطه الا علاقات صداقة مع إيران الى جانب تأييده لسورية، لذلك من المنتظر أن لا يتأخر بايدن الأميركي كثيراً للعثور على تسويات تعيد الأمان لسواحل الخليج مع الأخذ بعين الاعتبار المكاسب الجديدة التي تمكن اليمن من تجميعها ولا يبدو أنه مستعد لإضاعتها في مفاوضات عبثية.